تم نشر هذا المقال في صحيفى فيلت (العالم) الألمانية.

ترجم من الألمانية إلى العربية بتصرف

يلتف حول طاولة الحوار، في برلين، عدد من كبار الشخصيات السورية، الذين يمثلون جميع مكونات وأطياف المجتمع السوري، متضمنين عدد من مشايخ القبائل والعشائر السنية والعلوية على حدٍ سواء، كما يجلس على الطاولة مسيحييون ودروز واسماعيليون وأكراد. جميع الجالسين إلى الطاولة، وعلى قاعدة انتمائهم الأول والأخير لوطنهم الأم سورية، يسعون إلى التوصل إلى توافق بشأن مدونة السلوك، التي تصبو إلى تحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين كل السوريين.

بعد عامين ونصف من الاجتماعات، رأت المجموعة أنه حان الوقت للإعلان عن عملها.

 تعرض عليكم صحيفة فيلت الألمانية (العالم)، في السطور القادمة، مبادئ مدونة السلوك التي اتفق عليها المجتمعون في برلين، كما تشرح لكم عن مخرجات عمل مجلس المدونة السورية.

"نواجه، نحن القادمون من الداخل، العديد من المخاطر بقدومنا الى برلين، ولكننا نتحمل هذا العناء لأن الأمر يستحق ذلك، حيث يمكننا فقط هنا الاجتماع والحديث بناء على هويتنا السورية: كلنا سوريون" يقول أحد الآباء المؤسسين للمجلس والأكبر سنا من بين الحضور، من الطائفة العلوية.

يعتقد البعض أن أفراد الطائفة العلوية يشعرون برضا تجاه تطور الأحداث، وتجاه استعادة النظام السوري السيطرة على غالبية الأراضي السورية، بفضل التدخل العسكري الروسي. ولكن ما يتداوله الحضور داخل الاجتماعات في برلين يعكس نسبية هذه الفرضية، حيث يقول الأخير: "أي اعتداء على اخواتنا من السنة، يعد اعتداء علينا أيضا. يجب علينا جميعا إيجاد حل مشترك للعيش في سويا." إن البحث عن حل مشترك يشكل الدافع الأساسي لتحمل أعضاء المجلس المخاطر والتحديات لحضور الاجتماعات.

ما يميز هذه المبادرة عن غيرها هو وجود أبناء الطائفة العلوية كجزء لا يتجزأ من اجتماعات مجلس مدونة السلوك. ولكن بالتأكيد يدفع المشاركون من أبناء تلك الطائفة ثمن حضورهم، ليس فقط من خلال تحملهم عناء السفر، ولكن أيضا يواجهون اتهامات عديدة بسبب هذه الاجتماعات. وبناء على ذلك يفضل القادمون من الداخل السوري عدم الإفصاح عن أسمائهم، تجنباً للمزيد من الصعوبات والمخاطر.

قد تكون لتلك الاجتماعات أهمية تاريخية، إذا ما تمكن مجلس المدونة من مواصلة عمله بنفس الزخم وحاول تطبيق ما يتم تداوله في الجلسات على أرض الواقع!

يجتمع في جلسات الحوار "سوريو الداخل" و"سوريو الخارج"، ومنهم العلوي والسني وقادة عشائر ومسيحيون ودروز واسماعيليون وأكراد وأبناء شيوخ وشخصيات مرموقة ومؤثرة من عائلات عريقة، ذات صلة بالمجتمع والدولة والمعارضة، يتفقون حول مبادئ – تشكل "مدونة سلوك لعيش سوري مشترك" – تسعى المجموعة من خلالها إلى إرساء مبدأ المواطنة والعيش المشترك بشكل عملي في سوريا المستقبل، وفي حالة استمرار الحرب في الفترة المقبلة، تسعى المدونة، على أقل تقدير، إلى الحد من وتيرة العنف والحرب.

كان هناك حاجة ملحة لمأسسة المجموعة لعملها، وبالتالي قام المجتمعون بتشكيل "مجلس مدونة السلوك السورية". ويعد المجلس الجسم الحامل لمدونة السلوك، الذي يعكس في تركيبة أعضائه جميع أطياف المجتمع السوري التعددي، من الداخل والخارج السوري، وبالتالي يحمل المجلس في طياته قوة مؤثرة، ليست بحكومية وليست دبلوماسية، ولكنها قوة ناعمة تتمثل في آلاف السوريين الذين يرون في المجلس ومدونة السلوك تأطيراً لأفكارهم وأحلامهم بإيجاد حل للأزمة يعيد الحياة لبلدهم سوريا.

وتحاول المدونة التعامل مع الواقع السوري والمشاكل التي خلفتها الأزمة السورية، فمثلاً: الطائفية لم تكن أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات السورية في البداية، ولكن سرعان ما تم تأجيج البعد الطائفي. ويسعى أعضاء المجلس للخروج من ثنائية علوية النظام ضد الثوار السنة، كما يسعوا إلى التأكيد على الهوية السورية التي تحوي جميع أطياف الشعب، واتفق على ذلك المبدأ الحضور من السنة والعلويين والاسماعيليين والتركمان والاكراد والمسيحيين وغيرهم.

وتنص المادة الثالثة من مدونة السلوك على أنه "لا غالب ولا مغلوب في الحرب السورية، والخاسر الوحية فيها هو الشعب السوري"، كما تضيف المادة الرابعة في ذات المدونة انه "لا أحد برئ من الذنب، ويجب أن يكون هناك اعتراف متبادل بين أطراف الصراع كافة أن لا أحد برئ من الارتكابات بحق الشعب السوري، كل بحسب دوره وموقعه."

كما تدور المادة السادسة حول جبر الضرر، وهو ما يمثل رفض مصادرة ممتلكات النازحين والمهجرين طبقا لأحكام القانون رقم ١٠. حيث تنص المادة على "ضرورة الاعتراف بحق كل سوري بتعويض ما دمر من أملاكه واستعادة ما سلب منها، بما في ذلك حقه بالعودة إلى مسقط رأسه أو المكان الذي تم تهجيره منه منذ آذار ٢٠١١ وما بعده."

تؤكد المدونة على ضرورة مشاركة جميع السوريين في كافة جوانب الحياة في سوريا، ولا يجوز لأي فئة احتكار الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو القومية أو الدينية أو المذهبية في سوريا. وتنص المادة الحادية عشر على "مبدأ المساواة بين كل السوريين في الذات الانسانية والكيان البشري والمراكز الحقوقية وضمان حرياتهم في المجالات كافة." تتعرض المدونة بشكل واضح لشكل سوريا المستقبل التي يسعى إليها الموقعون على مدونة السلوك، إذ أنهم يؤكدون على وحدة الأراضي السورية.

التواصل مسار جنيف ومكتب المبعوث الأممي لسوريا:

وبشأن مسار جنيف وتشكيل اللجنة الدستورية، فقد قامت المجموعة بالتواصل مع مكتب السيد جير بيدرسون، المبعوث الأممي لسوريا، حيث يريد الموقعون أن يتم السماع لمطالبهم وادماجها في محادثات مسار جنيف، وفي كل المحادثات والمسارات الدولية.

"نتقدم خطوة بخطوة،" تقول سمة عبد ربه، وهي ابنة عائلة سنية مرموقة وتعيش اليوم في الإمارات المتحدة العربية، وتضيف "بداية، كان من المهم جدا التوصل لمبادئ أساسية يُجمع عليها كل الحضور. والآن نسعى لأن ننتقل من المرحلة النظرية إلى مرحلة التنفيذ."

وبالتالي ينبع قرار الخروج للعلن من تطور عمل المجموعة، ووصولها لمرحلة من النضج تجعل من الضروري الإعلان عن عملها بعد عامين ونصف العام. "آن الاوان أن يتم أخذ المجتمع السوري في عين الاعتبار وسماع رأيه في المشاورات والمسارات الدولية،" تقول سمة عبد ربه، التي تم انتخابها في لجنة المتحدثين باسم مجلس المدونة. تحتاج المدونة الآن عدد أكبر من الداعمين والموقعين على نصوصها، من أجل الوصول إلى تماسك مجتمعي، بينما يراهن الجميع على مستقبل البلاد!

ضرورة الوصول إلى حلول بخصوص المقاتلين الأجانب

في نقاشاته، أكد المجلس على ضرورة إدماج مكونات الشعب السوري الاجتماعية وليس فقط القوى السياسية والعسكرية في محاولة الوصول إلى أي حل سياسي. وأكد المجتمعون أيضا على أن تكون مغادرة القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية موضوع نقاش في أي محاولة للتوصل إلى اتفاق سياسي، كما على المسلحين الغير سوريين مغادرة سوريا على الفور. وستؤثر تلك الخطوة بالتأكيد على كل الأطراف. إذ يتعين إعادة بحث وضع القوات الروسية، التي لها الفضل في وصول النظام للنتائج الحالية. كما يجب على الميليشيات الإيرانية، مغادرة البلاد، بما في ذلك حزب الله اللبناني. تنطبق الدعوة للمغادرة على الميليشيات السنية الاجنبية أيضا التي تم تمويلها من تركيا ودول الخليج العربي. ولا يمكن انكار أن التدخل الدولي قد ساعد في اشتعال الصراع المسلح في سوريا، ويتفق على ذلك المجتمعون في برلين، ويؤكدون أنه لا يمكن تحقيق تنمية وسلام مستدام بدون المضي قدما في تلك الخطوات.

"لا يمكنني استيعاب ما يتم تداوله في الاعلام الغربي عن انتهاء الحرب في سوريا" يقول المحامي السوري، إبراهيم شاهين هو أحد أعضاء لجنة المتحدثين باسم مجلس المدونة، وهو من أعضاء المجلس العلوين الذين وقعوا على المدونة، ويقيم حاليا في ألمانيا. "يمكن أن يكون هناك نوع من الإحساس بالذنب من جانب الغرب، بسبب امتداد فترة الأزمة، ويتمنى الغرب الآن أن تنتهي الحرب فقط."

وما يجمع عليه المجتمعون في برلين هو أن الحل العسكري لن يكون حلاً للأزمة السورية، "يرى الموقعون على مدونة السلوك أنه لا يمكن تحقيق سلام في سوريا بدون وجود حل على المستوى الاجتماعي"، يقول الدكتور ناصيف نعيم، الخبير الألماني/السوري بالقانون الدستوري، الذي يدير جلسات المجلس ويقدم الاستشارات له. "يؤمن أعضاء المجلس أنه لا يمكن تحقيق استقرار وسلام مستدام في سوريا بدون اشراك المجتمع السوري بكامل مكوناته وقواه." يحاول مجلس المدونة أيضا أن يرسل رسالة إلى السوريين في الخارج، بأنه لا يمكن ان يتم استبعادهم من إقرار مستقبل بلادهم، "نريد أن نشرك جميع السوريون، الذين لم يشاركوا في إراقة الدماء ولم يكونوا ضمن الأطراف المتصارعة خلال الحرب، وهم الفئة المحايدة (عسكرياً) والتي تشكل الأغلبية العظمى من الشعب السوري."

إنه لمؤشر جيد بأن تلك الاجتماعات تعقد في برلين، حيث أن المانيا لها علاقات جيدة مع كل الأطراف وتؤكد دائما على أهمية الحل السياسي وإشراك القوى الاجتماعية في الحل.

ويقول الشيخ منصور الملحم، من قبيلة العنزة السورية: "عندما تقرر أوروبا حقاً، أن تبحث عن حل للوضع السوري، فتلك المدونة هي الطريق الصحيح لإيجاد حل للأزمة السورية." لم يكن الشيخ ملحم من الموقعين أو الأعضاء منذ زمن بعيد، ولكن يعتبر أن مواد المدونة الاحدى عشر تعبر عنه كما تعبر عن معظم الشعب سوري!

هنا بدأ الحديث، ليس فقط عن الجميع، بل مع الجميع. ولذلك يمكن ان تكون تلك المدونة بداية شيء مختلف وفريد.

إقرأ المقال الأصلي

صحيفى فيلت (العالم) الألمانية ©

2019.05.2727.05.2019