بعد سنوات الحرب السورية الطاحنة التي اختلطت فيها الأوراق، يقف السوريون اليوم أمام تحديات شديدة الخطورة والخصوصية، الأمر الذي يفرض عليهم التساؤل عن أولويات العمل الوطني السوري، في هذا السياق تأتي الجهود المبذولة في إطار "مدونة السلوك لعيش سوري مشترك"، حيث اجتمع عدد من السوريين الذين يعتقدون بأن أحد أهم أولويات العمل هي إعادة فتح القنوات المجتمعية داخل النسيج السوري الذي حطمته سنوات الحرب في محاولة لرأب الصدع المجتمعي، ومن خلال هذه الرؤية وبعد سلسلة من اللقاءات، تم اعتماد مجموعة من المعايير ما قبل سياسية والتي تتيح  إمكانية التلاقي ما بين مختلف مكونات الشعب السوري بهدف اعادة بناء الشخصية السورية على أسس المواطنة، وهو الأمر الذي عبرت عنه النقاط الأحد عشر التي توافق عليها أعضاء المدونة.

في التساؤل عن آليات العمل وشروطه:

قد تكون احدى أولى الصعوبات التي تعيق عمل المدونة هي الشرط السوري الميداني، ففي جو من العنف المجتمعي وعدم الشعور بالأمان نتيجة انتهاج أسلوب الأفواه المكممة ورفع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" من قبل جميع الأطراف المتصارعة، يسعى أعضاء المدونة إلى العمل الهادئ والمدروس من خلال التأكيد على مبادئ المدونة داخل الأوساط السورية التي رفضت العنف والتي تشكل غالبية السوريين سواء في الداخل والخارج ممن اضطروا إلى مغادرة سوريا مرغمين، وفي ذات السياق ما زال الأعضاء الموقعين على المدونة يبحثون عن أليات وضمانات تسهل تحقيق أهدافها.

وانطلاقا من هذه المعطيات يشعر أعضاء المدونة اليوم أن واحدة من أهم المهام التي يتوجب القيام بها هي العمل على مأسسة العمل داخل المدونة من خلال بناء إطار تنظيمي يسعى إلى عقلنة وضبط إيقاع عملها والتي تتطلب البحث والتساؤل عن الأهداف التكتيكية التي تسعى إلى تحقيقها.

تنطلق المدونة من اعتبار أن الشعب السوري يتألف من طيف واسع اثنيا و قوميا وطائفيا، و تعتبر أن هذا التعدد هو أحد أهم عوامل بناء سوريا المستقبل، حيث توضح مبادئ المدونة بأنها تسعى للعمل على نقل طبيعة العلاقات داخل النسيج السوري من مستوى العلاقات الميكانيكية القائمة على العصبية العائلية أو الدينية أو العشائرية نحو علاقات عضوية قائمة على فهم مكونات الشعب السوري لمصالحهم الحقيقية، ولا يتحقق هذا الهدف المنشود دون رأب التصدعات التي تحول اليوم دون التواصل والتلامس ما بين أفراد الشعب السوري بهدف فهم اختلافاتهم، الأمر الذي سوف يؤدي بالنتيجة إلى خلق  إمكانيات العمل السياسي.

من هم أصدقاء الشعب السوري اليوم:

ينطلق أعضاء المدونة من حقيقة أن الوضع السوري اليوم يأخذ أبعاداً دولية نتيجة تعدد الأطراف التي انخرطت داخل المعادلة السورية، ومما يزيد تعقيد المشهد السوري هو تمايز وتفارق مصالح اللاعبين الدوليين إلى حد التناقض، ورغم أن التساؤل عن أصدقاء وأعداء الشعب السوري هو سؤال ذو مضامين سياسية، إلا أن مصالح الشعب السوري اليوم هي شديدة الوضوح، وأول هذه المصالح هي وقف آلة القتل والتدمير التي تطحن بين فكيها كل إمكانيات النهضة السورية المأمولة، وبهذا المعيار فإن أي طرف دولي يضمن تحقيق هذه الهدف يعتبر صديقاً للشعب السوري، ولكن هذا الأمر يبقى مشروطاً بمعيار الحفاظ على وحدة  سورية  أرضاً وشعباً، بالإضافة إلى تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري ذات الصلة.

إن الشعب السوري بعد سنوات الحرب الماضية قد وصل إلى ضرورة الانفتاح على الحقائق الموضوعية التي سبقت، ورافقت هذه الحرب، مع الاعتراف بأن الجميع يتحمل جزء من المسؤولية، مما يستوجب حوار وطني شامل قائم على الانفتاح و سعة الصدر و الاعتراف المتبادل من الجميع أمام الجميع.

وانطلاقا من هذه المعطيات يمكننا أن نحدد أولويات العمل في سياق المدونة بالنقاط التالية:

  1. العمل على نظام داخلي للمدونة، يمنحها صفتها الاعتبارية ويضبط إيقاع العمل نحو أهداف واضحة على المستوى التكتيكي والاستراتيجي.
  2.  العمل على عقد لقاءات مع الجاليات السورية الموجودة في الخارج من خلال التواصل مع المجموعات التي استطاعت حتى اللحظة تنظيم وجود الجالية السورية في بلدان اللجوء وتنظيم هذه اللقاءات مع هذه المجموعات
  3. العمل على المستوى الداخلي من خلال تحقيق ضمانات أمنية من الجهات الدولية الفاعلة في الشأن السوري وقد يكون الجانبان الأوروبي والروسي هما الجهتان المرشحتان للعب هذا الدور في المرحلة الراهنة.

 


إن المداخلات المنشورة هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس، وإنما هي آراء للنقاش مطروحة من بعض الأعضاء

 

أعضاء مجلس المدونة السورية ©

2020.07.1313.07.2020