العدالة الانتقالية : هي منظومة من التدابير القضائية وغير القضائية التي يتم من خلالها معالجة الانتهاكات التي تلحق بحقوق الإنسان و جبر الضرر خلال الحروب الأهلية أو الحروب بين الدول والمحاور .

وضمن هذا التعريف يتم تشكيل لجان تقوم على تنفيذ هذه التدابير والإجراءات وتشكل من شخصيات مجتمعية لها وزنها الخاص والعام، ومن لجان قضائية، مهمتهم البحث والتقصي عن كل تلك الانتهاكات، إن كانت قد طالت العنصر البشري أو العناصر المكونة للدولة من مؤسسات وهيئات وتضع من خلال عملها وتقصيها برامج لجبر الضرر والتعويض عن مختلف الخسائر.

إذاً فهي تحتمل ضمن هذا المفهوم تعريف خاص لتحقيق العدالة لتعود الحياة لتلك الدول ورفع المظالم عن البشر وعودة كل الحقوق المسلوبة منهم .

إن الحرب السورية والتي امتدت على مدى عشر سنوات و مازالت مستمرة في بعض المناطق حتى كتابة هذه السطور، قد طال فيها الخراب والدمار كل شيء، المدن والمناطق والقرى والمؤسسات والهيئات الحكومية، وتشريد الملايين خارج حدود الوطن وضمن حدوده والأعداد الهائلة في خسائر الأرواح .

فهؤلاء خسروا أراضيهم ومنازلهم وتجارتهم وزراعتهم وصناعتهم ولا يمكن إلا التعويض عليهم و لملمة جراحهم و عودتهم إلى ما كانوا عليه، وتحقيق حياة كريمة لهم تحت كنف دولة العدالة والمساواة.

ضمن هذا السياق تأتي أهمية تطبيق العدالة الانتقالية فهي الضامن لهذه العودة ولقيام الوطن من ويلات هذه الحرب، وما جرته من انتهاكات لحقوق الإنسان قامت على الاختلاف الطائفي والعرقي والمذهبي في كثير من المواضع، وأدت في الكثير من المناطق إلى تغيير ديموغرافي مما زاد في هذه القسوة والسوداوية .

إن الحرب السورية وما نتج عنها من ويلات ودمار وضحايا وتهجير قسري، لا بد للعمل عليه ضمن برنامج يوازي تطبيق العدالة الانتقالية ويثمر هذا البرنامج عن مصالحة وطنية شاملة قبل كل شيء ونبذ كل أشكال التطرف والكراهية، بين مكونات المجتمع السوري، والقضاء عليها.

ضمن هذا المنطلق، وهذه الرؤية لهذا البرنامج، كان لا بد من البحث عن وسيلة و مبادئ لتحقيق هذا الغرض، مبادئ تتضمّن العدالة وعودة الحياة، كي يقوم الوطن بكل تجليه وعافيته ويبدأ إعمار النفوس والحجر معا.

من هنا انطلقت فكرة ولادة مدونة السلوك لعيش سوري مشترك، انضوى تحت عبائتها أشخاص من مختلف شرائح وأطياف المجتمع السوري، ليشكلوا نواة هذا الهدف والغاية بعودة سوريا القادمة الخالية من الأحقاد والكراهية والعنف، وليضمنوا مستقبلا جديدا للأجيال القادمة ضمن مفهوم المواطنة والإنتماء.

وعلى هذا الأساس أُعلن عن مدونة السلوك، بعد عمل طويل، و ولدت بمبادئها الإحدى عشر، التي اتسمت بفوق دستورية، والعمل من خلالها على تحقيق العدالة الانتقالية وتحقيق المساواة و جبر الضرر للجميع وعودة الحقوق الكاملة للجميع و محاسبة كل من ارتكب جرائم بحق الإنسانية خلال هذه الحرب البشعة .

ولنجد أن العدالة الانتقالية بعض مما تضمنته المدونة في مبادئها الإحدى عشر مما يعطيها المصداقية التامة في مستقبل عملها و تعميمه.

إن الذين عملوا وساهموا بإعداد هذه المدونة أمنوا بالوطن وأن الأوطان لا تقوم سوى بالحب والعمل والتعاون والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات و احترام الأخر وأن قيمة الفرد بما يقدمه لوطنه ومجتمعه وبذلك يأملون بعودة سوريا واحدة موحدة قوية في المستقبل القريب .


إن المداخلات المنشورة هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس، وإنما هي آراء للنقاش مطروحة من بعض الأعضاء

أعضاء مجلس المدونة السورية ©

2020.07.2222.07.2020