من خلف أزيز الرصاص وغبار الدمار والمقتلة المريعة التي حلت بالسوريين، يطفو على السطح سؤال مهم، لا بل تكاد أن تكون أسئلة بالجملة؟ ما هو السبيل إلى بناء هوية سورية جامعة جديدة تقوم على أساس المواطنة والانتماء وقبول الاخر وتطبيق العدالة الانتقالية عقب حرب طويلة، خلفت وراءها الكثير من الندوب والجراح والدماء.

 

هنا، يبرز جواب وحيد ومؤكد، هو تفعيل وإحياء منظمات المجتمع المدني، لما لها دورا بارز في رأب ما يتصدع في الأوطان المنكوبة. وهناك أمثلة عديدة في كثير من البلدان، لا مجال هنا لإحصائها، والتي استطاعت تخطي أزماتها من خلال تفعيل منظمات المجتمع المدني. وعليه، فإن حاجتنا لهذا الدور ترتبط بحاجتنا إلى بناء الهوية السورية الوطنية الجامعة، التي تشكل محور الإنتماء إلى الأرض وثقافة هذه الأرض. كما ترتبط بالحاجة لأن تكون تلك الهوية ثابتة، تبنى عليها آمال وأحلام هذا الشعب في عيش مشترك كريم، وفي التساوي بالحقوق والحريات العامة والواجبات، مما يمكن الشعب السوري من بناء وطن جديد يقوم على المواطنة ويتمتع بهوية جامعة لجميع أقطابه وأطيافه واتجاهاته.

 

من هذا المنطلق بدأت مدونة السلوك لعيش سوري مشترك أعمالها ونشاطها وصاغت مبادئها ضمن تلك الخطوط العريضة والأساسية في عمل أي مجموعة تحسب على المنظمات المدنية، فكان لها دور بارز ونشاط ملحوظ على الساحة الدولية والداخلية. كما استطاعت كسب احترام الجميع لما قدمته من خلال هذه المبادرة، ومن خلال تقبل الجميع لمبادئها وتوحدهم حولها بما جمعته من كل مكونات الشعب السوري، الذين صاغوا هذه المبادئ وقدموها لتكون خارطة طريق واضحة يُعتمد عليها في إيجاد حل جامع للسوريين، وتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم في عيش مشترك.

 

والهدف الرئيسي من المدونة، إذا صح التعبير، يتمثل في التغلب على كل ما ترسب خلال سنوات الصراع التي لعب على وترها الكثيرون وغذوه من خلال استغلالهم لتنوع الشعب السوري الإثني والطائفي والديني، واستخدام الخوف من الآخر، وخوف كل على هويته. وهذا ما أدى إلى تحول الصراع إلى صراع هويات وانتماءات، طال أمده بسبب تقوقع كل في هويته واعتقاده بأنه يدافع عنها. كما أججه القادة من كل الأطراف بخطابهم الممزوج بالكراهية والخوف والعنف.

 

لذلك كان من الضرورة بمكان العمل على هذه النقطة بدايةً، وتأصيل الهوية الوطنية الجامعة بين جميع المكونات. ومن القناعة بأن هذه المهمة لا تتم إلا من خلال دور بارز للمجتمع المدني وتنظيمه وإدخاله في عمل مشترك يهدف إلى نشر روح المواطنة والمحبة بخطاب جامع لمواجهة كل أشكال التمييز والتطرف والكراهية والهوية الفردية، التي غذت هذه الأزمة لمدة طويلة.

 

إن المطّلع على مبادئ مدونة السلوك لعيش سوري مشترك يدرك أهمية هذا العمل في الوصول إلى تلك الهوية الوطنية الجامعة، وتعزيز المواطنة وتحقيق العدالة الاجتماعية. إن هذه المبادرة سترسخ حتماً لعقد اجتماعي جديد يصل بالجميع إلى سوريا جديدة كما يحلم بها أغلب السوريون.

من أعضاء مجلس المدونة ©

2021.07.1414.07.2021