تشير المعطيات التي يقدمها المشهد السوري اليوم إلى دخول المسألة السورية منعطفاً خطيراً ينبأُ بجملة من المتغيرات، من بينها التصفيات والاغتيالات التي استهدفت مجموعة من الشخصيات العسكرية والأمنية المقربة من دائرة القرار إلى الخلاف المالي الطريف الذي وقع ما بين "رجل الأعمال السوري رامي مخلوف" و"السلطة السورية"، إلى الحراك الدبلوماسي والسياسي الروسي في الآونة الأخيرة على أكثر من صعيد ومستوى والتي سرب منها تقديم عرض روسي للسيد معاذ الخطيب، يفيد بتوليه رئاسة الحكومة مقابل بقاء بشار الأسد على رأس السلطة، وهو الأمر الذي، كما تفيد الكثير من التصريحات، لم يلق توافقاً. وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية عما ستؤول إليه الأحداث في القادم من الأيام، إلا أن الشيء الثابت أن واقع الاستعصاء السوري لن يبقى على حاله.

تأتي ضرورة التساؤل عن أولويات العمل السياسي والاجتماعي أمام الشارع السوري اليوم، نتيجة جو من الأزمات الاقتصادية والمعاشية التي يرزح تحتها المواطن السوري وانسداد الأفق أمام العديد من الشباب الذين تدفع بهم احتمالات المجاعة إلى الانخراط في أعمال ارتزاق عسكري خارج الحدود السورية  لدى شريحة استطاعت أن تنأى بنفسها عن هذا الخيار طوال سنوات الحرب الطاحنة.

2254  واحتمالات الانتعاش

على الرغم من التعطيل الذي أصاب المسار السياسي الذي انطلق على خلفية القرار 2254  ممثلاً باللجنة الدستورية إلا أن ذلك لا يلغي بأن عقدة الحل السوري اليوم تتمثل بهذا القرار، فمن خلاله سوف يستطيع السوريون السير نحو مرحلة انتقالية تصون البقية الباقية من إمكانيات اللقاء السوري - السوري، الأمر الذي يتيح إمكانية إعادة صياغة شروط التعاقد الاجتماعي على أسس المواطنة المتساوية التي تسمح بإمكانية بناء الأرضية المناسبة لإعادة الإعمار المتناسبة مع حاجات المجتمع السوري وأولوياته، وتأتي ضرورة التأكيد على هذا القرار نتيجة التصريحات الروسية الأخيرة التي أقرت بعدم فعالية مسار سوتشي وضرورة العودة إلى مسار جنيف من أجل الدفع بالعملية السياسية.

مسعى روسي ببوصلة تائهة

أثارت اللقاءات التي عقدها الجانب الروسي مع جملة من الجهات السورية جملة من ردود الأفعال والحوارات، ولم تكن مضامينها هي مثار نقاش فقط بل كانت الخيارات الروسية موضع نقاش وتساؤل أيضاً والتي  تمثلت من خلال جولة مكوكية لمساعد وزير الخارجية الروسي السيد بوغدانوف للقاء جملة من الشخصيات السورية المعارضة في كل من الإمارات العربية وفي قطر، بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال السوريين، وبعض الشخصيات ذات سمة طائفية محددة، الأمر الذي  يحمل دلالات مهمة.

يبدو أن الجانب الروسي في سباق مع الزمن من أجل إيجاد تمثيل ما، كبديل عن الوضع القائم، وبغض النظر عن  تعدد هذه اللقاءات إلا أن الجانب السوري بصفة عامة لم يكن موفقاً في صياغة خطابه أمام الجانب الروسي، فعلى الرغم من أنهم قد حاولوا مخاطبتهم من خلال مصالحهم في سوريا، إلا أنه يعاب على الأطراف السورية غياب  الندية السياسية، بل ونستطيع القول بسهولة بأن المخرجات قد جنحت نحو المحاباة والتملق في كثير من الأحيان، فعلى سبيل المثال لا الحصر لا يبدو بأن الغالبية الساحقة من السوريين على إطلاع على الهيكلية السياسية والإدارية والقانونية التي تنظم عمل الاتحاد الروسي حتى نقول بأنه شكل مناسب للتجربة السورية

كما أن الجانب الروسي يسعى لمقاربة الأزمة السورية من خلال تجلياتها الطائفية، وكأننا نحاول أن نعالج المشكلة من خلال أحد أعراضها، الأمر الذي تم اختباره في العديد من التجارب التي تشابه الحالة السورية اليوم وقد تكون الجارة لبنان خير مثال على ذلك.  جميع هذه المعطيات تفيد بضرورة اعادة النظر في الخطاب السياسي الاجتماعي السوري وفق منطلقات تأخذ بعين الاعتبار المصلحة السورية أولاً والمتمثلة بضرورة الانتقال نحو نظام سياسي أكثر ديمقراطية  ومن ثم الأدوار الدولية والاقليمية التي تتفاعل على المشهد السوري، وقد تكون تجربة مدونة السلوك السوري ببنودها المعلنة، والتي قد تشكل منطلقا للقاء سوري - سوري، يتجاوز الانتماءات ما قبل وطنية وفرصة مواتية لصياغة خطاب سوري قادر على الإجابة عن تطلعات الشارع السوري نتيجة الامتدادات الاجتماعية الواسعة والأصيلة لمكونات المدونة، وبذات الوقت قدرته على تقديم خطاب على المستوى الدولي يحظى بالاحترام والندية.

اعضاء مجلس المدونة السورية ©

2020.09.0303.09.2020