بعد مرور أكثر من 10 سنوات على حرب اختلف كثيرون على تسميتها، فتعدّدت مصطلحاتها كما تعدّدت أسبابها. لا بل وحتى عند العودة في التحليل الاقتصادي إلى فترة ما قبل الحرب، أو ما قبل عام 2010 بالتحديد، فإن البعض يرى بأنّ الاتجاه الليبرالي في السياسة الاقتصادية السورية آنذاك، والتي اتخذت من "اقتصاد السوق الاجتماعي" اسما لها، كان له أثر سلبي كبير، فيما يرى آخرون أنّ سوريا كانت ذاهبة نحو صعود اقتصادي. وفي الوقت نفسه ترى فئة من الاقتصاديين أنّ الاقتصاد السوري لم يكن واضح الهوية. باختصار فإن هذا هو حال الواقع الاقتصادي الذي تحكمه لغة الأرقام التي تحمل محدّدات واضحة، فكيف هو الحال فيما يتعلق بالرأي، رأي كل منا تجاه الأزمة الحاصلة وأسبابها ونتائجها وما وصلنا إليه اليوم؟

 

كما أن المشكلة الأكبر أنّ الأمر لم يعد محصورا بحدود سوريا، أي أن المشكلة لم تعد مجرد فجوة فكرية بين من يقطن في الداخل السوري وبين من غادر، بل إن أبعاد المشكلة تتعدد لتصل إلى الخلفية السياسية لكل دولة تجاه الواقع السوري. فمن ذهب إلى أمريكا مثلا لا سيما في سن الصغر قد وصل إلى مرحلة تبنّى فيها وجهة النظر الأمريكية بالكامل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى من ذهب إلى باقي الدول. وبالتالي فإنّ هذا التشظي يمثل حالة عديمة التجانس لا تؤسّس لمستقبل سوريا على الطريقة السورية، وإنما تؤسس لمستقبل سوري مشتت على طريقة كل دولة. وهذا ما يعني بأنّ ما حدث ويحدث هو عبارة عن تجزئة لسوريا على حساب أبنائها، حتى ولو لم تحدث تلك التجزئة بشكل مرئي على أرض الواقع، وتلك الحالة في الأخطر. فهل سيكون القادم هو حل سوري بعيد عن الطريقة السورية، أو على الأقل حل يناسب مصالح كل دولة، وهو ما يعني مستقبل أكثر تفتتاً؟

 

وحتى اليوم، فعند العودة إلى أسباب حدوث تلك الأزمة أو الحرب أو المؤامرة أو الفتنة أو أي تسمية ترونها مناسبة - كي يناسب طرحي هذا جميع الأطراف - فثمة من يراها مؤامرة وآخرون يرونها مشاكل داخلية وآخرون يبنون أسبابهم على أنها مؤامرة دخلت من باب المظالم. على أن السؤال الأهم أو الفكرة الأكثر إلحاحاً، كم هي مهمة هذه الأسباب أو النظرات الداخلية للأشخاص بعد 11 عاما من الخراب والدمار والدماء؟ وكم هو مفيد اليوم أن نعود إلى الوراء في ظل انعدام وجود وعي لدى أطراف متعددة يسيّرها التطرف الفكري هذا إن لم نقل الديني والسياسي أيضا؟ أليس من الأكثر جدوى التوجه نحو حل عملي أكثر براغماتية؟

 

أي أن الحل يجب أن يوحي بضرورة التوجه نحو المستقبل للتأسيس على المشترك بعيدا عن خلافات الماضي، أو بعيدا عن نبش الماضي الذي لا يغني ولا يسمن عن جوع. ولكن كيف لذلك أن يكون في ظل وجود مستقبل عالمي جديد مجهول إلى حد كبير، وفي ظل التعقيدات الدولية الراهنة خاصة أنه لا يمكن النظر إلى العالم من المنظار السوري. فقد تتأخر التسويات الدولية مدة طويلة طبقا للتحالفات السياسية الجديدة المتشكلة في العالم اليوم، وهو ما يعني أن ما يذهب من أعمارنا يذهب منا نحن السوريين فقط ، نحن لا أحد سوانا. فبينما ننتظر الدول العظمى كي تسوّي خلافاتها سيذهب منا الكثير والكثير وقد تكبر أجيال تنسى أنها جاءت من بقعة جغرافية تسمى سوريا.

 

وبناء عليه لا بد من اعتماد نوع من المبادرات الفردية وتوسيعها لتصبح مبادرات جماعية قدر الإمكان، مبادرات بعيدة كل البعد عن الاصطفافات لأية دولة أو لأي رأي، مبادرات تقول إننا جميعا شركاء في ما يحدث وجميعنا تقاسمنا هذا الخراب، وكي لا نطيل عمر دمارنا لا بدّ لنا من أن نخرج ونوسع الأفق والرؤية كي تذكرنا الأجيال القادمة بالخير في ظل انتشار شرّ عالمي. وقد تكون مدونة السلوك خير بداية لنا نحن السوريين نحو مستقبل أفضل يجمعنا على ما فيه الخير لسوريا.

عصام سليمان ©

2022.10.1111.10.2022