ها هي الأيام والشهور والسنين تمر في عمر الأزمة السورية ليحل العدد أحد عشر، ويخيم على عمرها في مفارقة و ربما صدفة أن تمتد لهذا الزمن، حيث تكون صفحتنا هذه التي نودع بها هذه السطور وتبرز هويتنا كمجلس لمدونة السلوك لعيش سوري مشترك تحت اسم سوريا ١١. هذا المجلس الذي صدر عنه الوثيقة التي ترعى هذا العيش والمكونة من أحد عشر بندا تخلص إلى ناموس، يصان من خلاله مستقبل سوريا الواحدة الموحدة شعبا وأرضا ومصيرا. ومن صدفها الغريبة أيضاً أن من بدأ هذا المشروع وهذا العمل كانوا أحد عشر شخصا من مجموع أطياف الشعب السوري، اجتمعوا على أول طاولة حوار في هذا الشأن. هكذا بدأت رحلة البحث عن الخلاص من الأزمة، وما زلنا مستمرين لتحقيق الهدف المرجو منها.

 

من نحن؟ سيكون هذا هو تساؤلكم المُحق والمشروع. ماذا قدمتم؟ أيضا هو سؤال حق يتوجب الإجابة عليه.

 

نحن سوريون من مختلف أطياف الشعب السوري تلاقوا بمحض إيمان مطلق بأن الحرب لا تولد سوى الدمار والموت، وهذا المشهد عايشه السوريين جميعا في لحظات التخلي عن الاحتكام إلى العقل والمنطق وحتى توصيفهم الإنساني. لذلك كان لابد من البحث عن أجراس تقرع في أتون هذا الخراب، أجراس العقل التي يجب أن يكون صوتها أعلى من كل أصوات ضجيج هذا الصراع. وكانت قناعتنا المطلقة أن لا حل سوى بحوار السوريين، كل السوريين مع بعضهم البعض، وأن يجدوا صيغة ومخرجا لما حاق بهم، وأن يكون هذا الحل مبنيا على أساس متين من خلال عقد اجتماعي جديد وناظم حقيقي لتعايشهم في دولة أساسها المواطنة، وأن لا فضل لسوري على أخر إلا بما يقدمه لبناء وطنه وازدهاره.

 

على هذا بدأت طاولات هذا الحوار لنصيغ من خلالها مدونة سلوك لعيش سوري مشترك بأحد عشر بندا تتضمن مبادئ فوق دستورية كتعريف أولي لها. وهذا ما يعطيها هذه المصداقية كثمرة حوار بنّاء وأحد طرق الوصول إلى حل للأزمة السورية، والبدء من خلالها بإعادة إعمار ما تهدم في النفوس أولا والحجر ثانيا، حيث أن إعادة إعمار النفوس هو الغاية السامية لهذا العمل. ولمن يقرئنا للمرة الأولى سنقدم هنا موجزا عن هذه المبادئ والحوارات التي دارت حولها وما نتج عنها من صيغة نهائية لوثيقتنا.

 

فمن وحدة الأراضي السورية التي لا يمكن لأي أحد الاختلاف عليها، حيث بدأنا بقدسية هذا الطرح، إلى المكاشفة والاعتراف لوأد كل المخاوف التي خلقها هذا الصراع العبثي بين السوريين، إلى وأد المظلوميات من أي مكون كان، ليقودنا هذا إلى لا غالب ولا مغلوب في هذا الصراع، الذي استقدم حتى شذاذ الآفاق من كل مكان ليشاركوا في هذا الخراب العقيم، ليكون هناك خاسر وحيد هو الشعب السوري ككل. هذه الحقيقة هي واقع نحاول أن نختبئ فيه كل وراء إصبعه، لأن لا أحد بريء من الذنب، المبدأ الذي تممنا به منطق المكاشفة والاعتراف. كما تعاهدنا أن نعمل على منطق المحاسبة وليس الثأر عندما تنصب أقواس العدالة لمعالجة كل مخلفات هذا الصراع. وكي لا نطيل على القارئ الكريم فقد فتحت مظلة هذه المبادئ الأولية الإمكانية لصياغة المبادئ الباقية، والتي نعتبرها تتمة لناموس سوري جديد وتكملة لعقد للتعايش بكل محبة وسلام.

هنا أود التذكير بأن الباحث عن هذه المبادئ بحرفيتها سيجدها هنا على صفحة سوريا ١١. فهنا توجد بنود هذه الوثيقة كاملة، والتي ندعوا الجميع لقراءتها والتبصر بها، وأن يحكم كل قارئ العقل والمنطق فيما، وفيما ذهبت إليه، وما تقود له كخشبة خلاص للسوريين جميعا. كان هذا بمثابة جواب على السؤال الأول أعلاه، أما السؤال الثاني فيمكن الإجابة عليه بأننا من خلال عملنا وتواصلنا مع محيطنا المجتمعي استطعنا إحياء دور المجتمع المدني من جديد، الذي تم تغييبه عن الساحة السورية لسنوات طويلة. إذ أن دوره ومكانه في مراحل ومواطن كثيرة قد قاده رجال الكهنوت من جميع الأطياف، ما خلف الكثير من الحقد والحقد المضاد، ومن ينكر هذه الحقيقة فهو جاهل بأحد أهم مسببات هذا الصراع المفتوح والعبثي.

 

إيماناً منا بدور المجتمع المدني السوري، عملنا على خلق مسارين بجهود فردية من أعضاء مجلس المدونة:

المسار الأول: ويتلخص في البحث وضم الكفاءات المجتمعية والأكاديمية الوازنة، والتي يمكن من خلالهم تشكيل قيادات مجتمعية مدنية تساهم في تنفيذ أهداف المدونة.

المسار الثاني: والذي يتمثل في الالتفات إلى باقي مكونات المجتمع السوري بكل شرائحه وفعالياته، حيث تقوم القيادات الاجتماعية من خلال دوائر صغيرة كل في محيطه الأهلي في نشر مبادئ المدونة وشرحها ومناقشتها مع ذلك المحيط. وفي النهاية يجب أن تتلاقى هذه الدوائر فيما بعد، وتتصل لتشمل المجتمع السوري كاملا.

 

إضافة إلى ذلك فقد استطعنا ومن خلال إقامة العديد من الندوات وطاولات الحوار المشترك إحياء دور المجتمع المدني، الذي نطمح أن تسوده مفاهيم تعايشنا وتقاربنا تحت رعاية مبادئ مدونة السلوك. وقد عمل بهذه الطريقة أيضا رفاقنا المتواجدين في الخارج، كل في بلد إقامته واغترابه عن طريق جمع السوريين هناك لاطلاعهم على هذا العمل، وتقديمه على أنه الجسر الذي يمكن من خلاله بناء المشتركات والرؤية الموحدة التي يمكن أن تؤمن العودة إلى أرض الوطن وتقوي الأخوة مع الداخل السوري. ما يعني في النهاية بأن الداخل والخارج السوري يجب أن يتعاضدوا يدا بيد لبناء سوريا التي يحلمون بها جميعا.

 

هذا على مستوى الداخل السوري لعمل المجلس، أما على المستوى الخارجي، وهنا نعني المهتمين بالشأن السوري والمجتمع الدولي وخاصة الاتحاد الأوربي وأصحاب القرار الفاعلين، فقد قمنا بطرق كل الأبواب كي نقدم أنفسنا إليهم، ونشرح ما توصلنا له، إذ أنهم كانوا جميعا ومن خلال تجاربهم مع أطراف النزاع قد يأسوا من أن لدى الشعب السوري ما يقدمه من أجل خلاصه. وعليه فقد استطعنا تغيير المفاهيم والقناعات لديهم من خلال وثيقتنا التي قدمناها لهم، ومن خلال أشخاص المجلس الذين يمثلوا كل أطياف الشعب السوري، والذين صاغوا هذه الوثيقة من أجل خلاصهم وبهدف نهاية أزمتهم الطويلة.

 

من هنا فقد حاولنا تقديم نبذة إلى القارئ الكريم عما استطعنا انجازه وتقديمه، ونحن مستمرين به على أمل حصاد نتائج جيدة ومثمرة، لمسنا بعضها ونسعى لأن يلمسها الشعب السوري كاملا في القريب العاجل. إننا نتطلع ونحلم أن نستطيع من خلال هذه الوثيقة جمع السوريين كافة على طاولة حوار وطني شامل لا يتخلف عنها أحدا من السوريين. عندها ستعلن ساعة الحقيقة وسنتمكن من الوصول إلى سوريا بدون أرقام ولا أعداد كما عنونت هذه المقالة في بدايتها، حيث سيكون عنواننا الوحيد والأصيل هو سوريا، وهذا هو عهدنا الذي تعاهدنا عليه في بداية هذا العمل، وهو ما نأمل أن ينتهي إليه.

مجلس المدونة السورية ©

2022.04.2727.04.2022