الفكرة المهمة والأساسية، والتي تحضر في كل لقاء يجمع السوريين، هي كيف يمكن أن تنتهي هذه الحرب في سوريا؟ وكيف يمكن للشعب السوري أن يعود ويعيش مع بعضه البعض ضمن دولة تحترم الإنسان وتحترم خصوصيته بعيداً عن الإقصاء والتهميش لأي مكون من مكوناته؟

كما يحضر سؤال آخر لا يقل شأناً عما سبق، وهو: كيف يمكننا كسوريين أن نتخلّص من احتلالات أصبحت أمراً واقعاً يفقأ العين، بغض النظر عمّن كان السبب في جلب هذه الاحتلالات؟

من المؤكد أن السوريين تتنازعهم ولاءات مختلفة وهواجس وخوف من بعضهم البعض، خوف، ارتفع منسوبه جرّاء الحرب الدائرة منذ عشر سنوات. لذلك ذهب كل طرف منهم للاستقواء بقوة أجنبية، لعل ذلك يغطي جزء من مساحة الخوف التي استوطنته، ويعطيه الأمان.

لكن هل الاستقواء بالقوى الخارجية، سواء الموالية للنظام أم المعارضة له، وتواجدها على الأرض، كان له تأثير إيجابي في تحجيم وتقليص مساحة الخوف والريبة لدى السوري من السوري الآخر؟ خاصة وأن الجميع يعلم أن انخراط القوى الأجنبية في الصراع في سوريا زاد الطين بله، وقسم المجتمع السوري بين موالي ومعارض. كما أنه قسّم الجغرافيا السورية إلى مناطق تفرضها قوى الأمر الواقع، بحيث بات ينتاب الكثير من السوريين الخوف على بلدهم من التقسيم، الذي ما زال أغلبية السوريين ينظرون إليه كوضع مؤقت، لكن لا أحد يعلم هل سيبقى وضع مؤقت أم سيتحوّل إلى وضع دائم، خاصة وأن التاريخ يقول أن الحدود بين الدول والجماعات المتنازعة تحددها موازين القوى على الأرض وليس أي شيء آخر.

من خلال ما تقدم نستطيع أن نرى ونقدر ونثمّن حجم العمل الرائع الذي قام ويقوم به المنظمون والمشرفون على عمل مجلس المدونة السورية، من خلال تيّسير وفتح قنوات للتواصل بين شخصيات سياسية وثقافية واجتماعية سورية فاعلة، من داخل سوريا وخارجها، ومن كافة مكونات المجتمع السوري، حيث أثمرت جهودهم في الاتفاق على البنود الأحد عشر في (مدونة سلوك لعيش مشترك)، والتي كان لها صدىً إيجابي لدى السوريين الذين أرهقتهم الحرب وشتتهم الصراع في شتى أصقاع المعمورة.

لقد أدرك القائمون على هذا العمل أن البحث عن حل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا بعودة الروح إلى المجتمع المدني والحوار الطوعي، وأشدد على الطوعي، بين هذه الفعّاليات الاجتماعية والسياسية والثقافية. وهذا ما فعلوه على مدى ثلاث سنوات، حيث تم اللقاء بين مختلف الشخصيات الفاعلة والمحترمة السورية، كان آخرها في مدريد في الأول من نيسان عام 2021. إذ استمع المجتمعون لبعضهم البعض ونشأت بينهم علاقات وصداقات، ستكون بالتأكيد حجر أساس لبناء الثقة ونزع الخوف وزرع الطمأنينة في سوريا المستقبل.

فالشكر كل الشكر لمنظمي هذا العمل على ما بذلوه من جهد مشكور لتقريب وجهات النظر بين السوريين، علماً أن هذا النوع من اللقاءات بين السوريين هو الوحيد من نوعه خلال الأزمة السورية.


بسام جوهر

ضابط ومعتقل سياسي سابق.

بسام جوهر ©

2021.06.1818.06.2021