لعله من المهم بدايةً، التذكير بأنه بعد حوالي السنة من الإجراءات الاحترازية المرتبطة بفيروس الكورونا، وما ارتبط بها من تعذّر اللقاء بأعضاء المجلس، بشكل شخصي، وانتقال مجال العمل إلى العالم الافتراضي، فإن عمل المجلس خلال هذه الفترة اتخذ شكل النقاشات الفردية والجماعية حول مسائل معينة، وإصدار بيانات تبين رأي المجلس حول تلك القضايا المرتبطة بوضع السوريين في الداخل والخارج السوري. عليه فإن طريقة العمل هذه ببساطة قد مثلت التعبير الواقعي عن إمكانية عمل المجلس وتواصل أعضائه مع بعضهم على الرغم من الإشكاليات المرتبطة بعدم القدرة على اللقاء بشكل شخصي، وما يضاف إلى ذلك من صعوبة التواصل مع الداخل السوري عبر الشبكة العنكبوتية بشكل عام.

 

لقد فرضت طبيعة العمل بهذا الشكل الضيق، ضرورة البحث عن إطار عمل عام ومجمل، تمثل بداية بتثبيت النقاط المشتركة بين أعضاء المجلس عند التصدي لأية مسألة. وبما أن هذه المشتركات تنطلق من روح مدونة السلوك فقد كان التفكير دائماً يدور في حلقتها وينطلق من مبادئها. ومن هذا المنطلق، فقد أثبتت مبادئ المدونة صفتها الجمعية التوافقية، إذ أنها تحولت إلى قواعد يُحاجَجُ بها من قبل أعضاء المجلس في مناقشاتهم مع بعضهم أو مع الجمهور. إلا أن هذا لا يعني بأن أعضاء المجلس لديهم نظرة موحدة في طريقة وضع مبادئ المدونة موضع التطبيق العملي، مع أن جميعهم متفق على أن التطبيق العملي لمبادئ المدونة هو المخرج الوحيد من الوضع المأساوي الحالي للسوريين. من هذا المنطلق بدأ أعضاء المجلس بالتفكير والنقاش في ديناميكيات التطبيق العملي لمبادئ المدونة بما يعكسه هذا النقاش من تداخل بين واقعية العمل الحالي وإمكانياته وضرورة التفكير في الآليات المستقبلية. فالمجلس، وعلى الرغم من أنه ليس هيئة تنفيذية تملك سلطة الأمر كما هو متفق عليه بين أعضائه، يستطيع من خلال اقتراح الآليات التنفيذية للمدونة أن يثبت جديته في علاقته مع السوريين من متابعيه، ما يشكل أيضاً دعوة لهؤلاء بالمشاركة في التفكير في بنود المدونة وتنفيذها بشكل عام.

 

التفكير بالمسألة التنفيذية يقتضي بداية وببساطة، استغلال الآليات الموجودة فعليا من أجل بلورة موضوع التنفيذ وإعطائه الأولوية التي يستحقها. من هذا المنطلق تبرز أهمية اللجنة الدستورية وعملها، مع أن أعضاء مجلس المدونة ليسوا راضين عن عمل اللجنة شكلاً وموضوعاً. إلا أن أهمية عمل اللجنة بالنسبة لمدونة السلوك ومجلسها، يتمثل بالدرجة الأولى في أن اللجنة الدستورية تسعى لوضع مبادئ توافقية بين أعضائها، يقبل بها المجتمع السوري كحلول للأزمة السورية، وكأطر موضوعية لشكل الدولة السورية القادمة. هذا ما يتطابق بشكل كامل مع ما سعت وتسعى إليه مدونة السلوك بمبادئها الأحدى عشر. عليه، فقد قام منظموا جلسات المجلس وبعض من أعضائه، ممن هم أعضاء في اللجنة الدستورية أو ممن لديهم علاقات مع أعضائها، بإيصال أفكار المدونة إلى فريق الأمم المتحدة المشرف على عمل اللجنة، وإلى أعضاء اللجنة في الداخل والخارج السوري، من ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني على حد سواء.

 

مع أن أعضاء المجلس لا ينتظرون من اللجنة الدستورية وضع مبادئ المدونة بحرفيتها في وثيقة الدستور السوري القادم، إلا أنهم يعملون على الأقل أن تتطبع المبادئ والحقوق الأساسية في الدستور القادم بروح المدونة وأفكارها، ما يعني ببساطة بأنهم يسعون إلى تفعيل مبادئ المدونة من خلال تحويلها بكليتها أو جزئيتها إلى قواعد دستورية. لكن، ما يجب التنويه إليه هنا، أن المجلس يسعى وبشكل آخر إلى تفعيل مبادئ المدونة وذلك من خلال متابعة العمل على إصدار بيانات حول مسائل تمس المجتمع السوري برمته والسوريين بعمومهم في داخل وخارج سورية. فالبيانات التي قام المجلس بإصدارها، مثل بيانه بخصوص مبدأ المحاسبة بتاريخ 15/01/2020 أو بيانه بخصوص الوضع في شرق الفرات والشمال السوري بتاريخ 23/12/2019، كان من أهدافها تقوية الحس العام لمبدأ المدونة الذي يتمحور حوله البيان بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة طبعاً إلى إظهار رأي المجلس في المسألة التي يعالجها البيان ولفت نظر الرأي العام، السوري والإقليمي والعالمي، إليها.

 

علاوة على ذلك فقد قام أعضاء المجلس بناء علاقة الثقة القائمة بينهم بالتدخل لحل بعض الأوضاع المحلية المستعصية من خلال استثمار علاقاتهم مع كل الأطراف على الأرض بهدف دمج جميع الآراء في حلول توافقية تتناول التهدئة في بعض المناطق والوساطة في بعض الخلافات. تحرك أعضاء المجلس هذا يمثل انعكاساً واقعياً لروح المدونة ومبادئها بما تهدف إليه من إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري. من هنا يتبين التنوع في محاولات أعضاء المجلس وضع مبادئ المدونة وأفكارها موضع التطبيق العملي والتي تمتد من العمل على مصالحات مناطقية إلى إصدار بيانات تتناول قضايا حساسة في حياة السوريين ثم محاولة التأثير على اللجنة الدستورية لتضمين مبادئ المدونة في وثيقة الدستور القادمة.

 

من جانب آخر فإن واقعية عمل مجلس المدونة في مجال البحث عن آليات التنفيذ، كما تم التعويل عليها أعلاه، يقابلها متابعة حثيثة للعمل الحواري بين أعضاء المجلس والعمل على تعريف السوريين أكثر بالمدونة من خلال عقد ورشات عمل مصغرة على المستوى المحلي. إضافة إلى ذلك تستمر عملية الحوار مع المجتمع الدولي التي يديرها منظموا جلسات المجلس من أجل تعريفه أكثر بالمدونة وعمل مجلسها. على أن النشاط المهم الذي عمل عليه الأعضاء ولا زالوا يعملون عليه يتمثل بالعمل على إصدار كتيب لشرح مبادئ المدونة وتوضيحها للمتابعين. بالنتيجة، تهدف كل هذه الأعمال بشكل أو بآخر إلى توسيع دائرة الأشخاص الداعمين للمدونة والمقتنعين بمبادئها، أي إلى خلق كتلة من السوريين في الداخل والخارج تقف خلف مدونة السلوك لعيش سوري مشترك.

 

إذن، ما يمكن قوله في هذه المرحلة من عمل المجلس، أن: كل أعمال المجلس هي أعمال تحضيرية، بانتظار إمكانية مستقبلية حقيقية لتفعيل مبادئ المدونة على الأرض كأداة لإيجاد حل متوازن للوضع السوري. فرؤية المجلس المستقبلية واضحة، وتنطلق من إيمان أعضائه المطلق بمبادئ المدونة وضرورة تطبيقها من خلال سيناريوهات معينة، مرتبطة بظروف التوافقات المستقبلية على حل الأزمة السورية، بغض النظر عن الخوض في تفاصيل هذه التوافقات، والتي ستلعب فيها المعادلات الدولية الدور الأهم. فأعضاء مجلس المدونة سيستمروا في العمل بصمت أو في العلن، إذ أنهم مقتنعون بأن لقاءهم على اختلاف تفكيرهم ومواقفهم من الأزمة السورية هو إشارة بأن مستقبل سوريا لا يمكن أن يحل إلا على طاولة حوار يجلس إليها مختلفو، أو متناقضو الرأي، بهدف إيجاد حل وسط مقبول من الجميع. كما أن لقاءهم هو رسالة لكل من هو مستمر في قناعته بأحادية الحل، من أي طرف كان، بأن زمن الحلول الفردية قد ولى وأن الوقت قد حان لحلول جمعية تراعي رغبات كل الأطراف ولكنها تضع مصلحة سوريا قبل كل شيء.

د. ناصيف نعيم ©

2021.02.0101.02.2021