سيواجه المجتمع السوري في وقت، نتمناه قريباً، مجموعة من الأسئلة والاستحقاقات الجوهرية، تتعلق بالآلية التي يمكن بها و عبرها، إعادة بناء هذا المجتمع على مجموعة من الأسس التي تضمن للسوريين، عموم السوريين، حقهم في العيش في مجتمع أساسه العدل و المواطَنة. و من البديهي أنّ هذا لا يمكن أن يتم التأسيس له بالتغاضي عن الظلم والانتهاكات التي لحقت بالأطراف كافة. و كذلك من البديهي أن هذا لا يمكن أن يحدث بقرارٍ تصدره جهة ما أو هيئة ما يقوم على تمييع أسباب الاصطفافات والانقسامات التي انفجرت في وجهنا جميعاً منذ عام ٢٠١١ و التي كان أحد تمظهراتها ثنائيات مواجهة السوري لل'الآخر' السوري و أعني هنا ثنائيات: مؤامرة/ثورة.. داخل/خارج.. موالاة/معارضة.. أقلية/أكثرية. هذه الثنائيات و غيرها كثير، على الرغم من واقعية و جودها و حق المتمترسين في فضاءاتها، إلا أنها لا يمكن إلا وأن يأتي وقت يواجه المنتمون إليها استحقاق الإجابة على أو طرح تساؤل: وماذا بعد؟

ربما كان طرح هذا السؤال هو النقطة الأساس التي انطلق منها المشتغلون على "مدونة سلوك لعيش سوري مشترك"، والتي عملت، منذ صياغة عنوان عملها ومبادرتها المجتمعية، على المشترَكات بين السوريين، كخطوة أولى لبناء الثقة بإمكانية إعادة الأمل لبناء سوريا وطناً نهائياً لكل أبنائه، وطن يحكمه عقد اجتماعي جديد يحترم هواجس المكونات السورية كافة ويسعى إلى تفكيك أسباب الانقسام والمظلوميات ويؤسس لمجموعة من المبادئ التي تضمن إمكانية العيش في دولة القانون والمواطَنة.

إنَ بنود المدوّنة الإحدى عشر، باستعارتها لبعض الخطوات و الآليات التي عرفتها مجتمعات أخرى تتقاطع في بعض تجاربها مع المحنة السورية، يمكن أن تساهم، مع غيرها من المبادرات الجدية التي يبدو أنها بدأت تأخذ طريقها إلى العمل، في تهيئة الأرضية المجتمعية للخطوات السياسية التي نأمل أن تسلك طريقاً أكثر جدية في المرحلة القادمة. إن الإجابة التي تقدمها المدوّنة بأعضائها المتنوعين، هي سيرورة طويلة و مضنية وواعية للصعوبات وكذلك للأمل الذي استطاع أعضاؤها أن يجعلوه ممكناً، ليس عبر النيات الطيبة ولا عبر ' عفا الله عما مضى' وإنما عبر تبني مجموعة من المبادئ و الآليات التي تضمن المحاسبة وجبر الضرر والمكاشفة والاعتراف وصولاً إلى بنود المدوّنة الأخرى و التي يمكن أن تشكل الإطار الجامع المطمئن للسوريين، عموم السوريين.


إن المساهمات المنشورة هنا لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس، وإنما هي آراء للنقاش مطروحة من بعض الأعضاء

أعضاء مجلس المدونة السورية ©

2020.07.0909.07.2020