حتى نهاية عام 2010 كانت سوريا دولة من بين دول الشرق الأوسط التي تتمتع بالاستقرار الأمني والاكتفاء الذاتي، لتتحول بعد أكثر من عقد من الحرب إلى دولة شبه مدمرة، وإحدى أكبر بؤر الصراع، وساحة معركة لتصفية حسابات دولية وإقليمية تتضارب فيها المصالح وتتعقد فيها مستويات النزاع.

 

فقد كان للازمة السورية التي بدأت في أذار من عام 2011 بمطالب شعبية بسيطة، لتتطور وتصبح اشتباكات مسلحة، لتتحول إلى أزمة عميقة ومعقدة بسبب تعدد الجهات التي تدخلت فيها إن كان اقليميا أو دوليا، عواقب وخيمة على الشعب السوري تمثلت بالقتل والدمار وخراب طال كل شيء، حيث وصلت إحصائيات ضحايا الصراع إلى حوالي 500 ألف انسان - أو أكثر بكثير - وتشريد أكثر من عشرة ملايين سوري ما بين الداخل والخارج من قراهم وبلداتهم ومدنهم، التي انعدمت فيها كل أشكال الحياة بسبب التخريب والدمار الذي طال البنية التحتية لتلك المناطق.

 

ومع انتشار الإرهاب وظهور الجماعات المتطرفة المسلحة التي استقدمت وجلبت إلى ساحة الصراع السوري، وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة وتوابعها من المنظمات الإسلامية المتطرفة التي دعمت ومولت من الكثير من الجهات، والتي يسرت لها الوصول الى سوريا لتقوم بالقتل والتدمير. كل هذا أدى إلى تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية قادت البلاد إلى أسوء مرحلة من مراحل تاريخها، وإلى أن تكون واحدة من أعقد الأزمات الدولية في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بسبب ما ذكرناه من تدخلات الجهات الإقليمية والدولية.

 

وتبعاً للحالة السورية المعقدة، فقد أفرزت هذه الحالة وعلى مر عقد من الزمن الكثير من التكتلات والهيئات والمجالس والتحالفات والتيارات السياسية، كما خلقت انقسامات تعددت تعريفاتها ومسمياتها، وأبرزها النظام بآلته العسكرية وسلطة أجهزته الأمنية من جهة والمعارضة من جهة أخرى، والتي انقسمت وتجزأت تحت مسميات كثيرة في الداخل والخارج السوري، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • المجلس الوطني السوري الذي تشكل في مدينة اسطنبول في أواخر عام 2011، والذي ضم كل من جماعة إعلان دمشق المشكلة في عام 2005 وجماعة الاخوان المسلمين وفصائل كردية مختلفة وممثلي تنسيقيات محلية تشكلت مع بداية الأزمة، وممثلي الكتلة الوطنية بمعناها التاريخي، وبعض الشخصيات المستقلة من المعارضين السوريين.
  • هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، والتي تألفت من عدة أحزاب سياسية صغيرة وشخصيات معارضة مستقلة من الداخل والخارج في تشرين الأول من عام 2011.
  • والمجموعة الابرز من مجموعات المعارضة يمثلها الائتلاف الوطني السوري، والذي تشكل في بدايات عام 2012 وضم الكثير من الخارجين من سرب المجموعات الأخرى والهيئات والتنسيقيات والتكتلات التي رافقت الأزمة السورية وتعقيداتها وتشابك المصالح ما بين هذه المجموعات والجهات الداعمة لها.

 

وبالاطلاع على نشاط وأعمال مجموعات المعارضة تلك، يتبين أنها لم تستطع أن تقدم أية خطة لإنهاء وحل الأزمة السورية، بل على العكس لقد ساهمت في تعقيدها في مواضع عديدة، منها مثلاً إشكاليات ارتباطها بمجموعات مسلحة على الأرض، وتداعيات ملفات المعونات الإنسانية التي كانت تقدم للشعب السوري والإشكاليات المرتبطة بتوزيعها وما تداعى إلى الأسماع من ملفات فساد تتعلق بذلك، والصورة السيئة التي أعطتها بسبب انقساماتها الحادة والصراع على السلطة بينها داخل المعارضة ككل، وفي داخل كل مجموعة.

 

من هذا الانقسام، والواقع المظلم المرير، والتهافت كل طرف إلى طرفه، والسقوط في المحظورات من كل طرف من أطراف الأزمة، وتعقد المسألة السورية إقليمياً ودولياً، تظهر أهمية النظر إلى الشعاع الصغير الذي ظهر في آخر النفق، والذي أناره ثلة من السوريين الوطنيين الذين لم يتموضعوا ولم يتخندقوا في أي موقع أو خندق من خنادق الصراع، وعرفوا عن أنفسهم بأنهم مجلس مدونة السلوك لعيش سوري مشترك. فقد اجتمعت تلك الشخصيات التي تألفت من جميع أطياف المجتمع السوري من الداخل والخارج ليثبتوا للجميع أن السوريين قادرين على الاتفاق على ما ينقذهم من آتون هذا الصراع وهذه الأزمة التي طالت وامتدت أكثر من عقد من الزمن.

 

قامت هذه الشخصيات بداية بالعمل والتوافق والإعلان عن مدونة السلوك لعيش سوري مشترك بمبادئها الإحدى عشر لتكون ناموسا ودستورا لعودة وبناء سوريا جديدة. وقد استطاعوا على مدى خمس سنوات من العمل خلال الأزمة إيصال صوتهم للعالم بانهم يملكون خارطة للحل وأنهم ماضون في تنفيذها، ولا غاية لهم من خلالها سوى عودة سوريا وعودة الاستقرار والأمن والأمان، وعودة أبنائها المهجرين إلى مدنهم وبيوتهم ليساهموا في إعادة اعمار ما دمرته هذه الحرب العبثية. وهذا ما تميزت به المدونة، بأن ولادتها من عمق إيمان السوريين ببعضهم البعض من ناحية، وعدم ارتهانها لأية اجندات إن كانت داخلية أو خارجية من أي نوع من ناحية أخرى.

 

وقد تابعت هذه الشخصيات السورية العمل من خلال مجلس المدونة حتى تاريخ  كتابة هذه السطور، وعملهم هذا هو عمل وطني متكامل العناصر يهدف إلى المصالحة الوطنية الشاملة وإحقاق الحقوق والعدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أطياف ومكونات الشعب السوري في الحقوق والواجبات ومحاسبة كل من ارتكب جريمة بحق الشعب السوري. بشكل عام، فإنهم يعملون على ولادة اللحظة التاريخية لقيام سوريا وتجديدها على أساس المبادئ التي قدموها في وثيقتهم.

الكاتب يفضل أن يبقى مجهول ألهوية ©

2022.09.2424.09.2022