في لقاء القمة الثلاثية الذي عقد في طهران في الشهر الجاري تموز 2022، بين رؤساء إيران وروسيا وتركيا، كان الملف السوري هو العنوان الأبرز الموضوع على طاولة المباحثات. نحن لا نعلم بالضبط حول ماذا تناقش الرؤساء الثلاثة، فما قالوه للإعلام في المؤتمر الصحفي الذي عقدوه بعد لقاء القمة، لم يقنع معظم السوريين بجدية إرادة هؤلاء في الوصول إلى حل نهائي لقضيتهم، مع الانتباه إلى أن كل من هذه الدول، رغم تأثيرها المهم في الملف السوري، إلا أن لكل منها مشاكله العالقة مع المجتمع الدولي،  والتي تدفع كل منها للتمسك بالكرت السوري للاستفادة منه في لحظة معينة لخدمة مصالحها.

سنوات طويلة مرت على اندلاع الأزمة السورية، ورغم ما حملته ولاتزال من مآسٍ وكوارث على كافة الأصعدة، لكن لا يبدو أن حلاً يلوح في الأفق، وللأسف لا بوادر لأي مشروع يضع حدّاً لآلام السوريين أينما كانوا. وما يلفت النظر في تعامل السوريين مع حياتهم الصعبة هو قوة التحمّل العالية لديهم، وقدرتهم الرهيبة على التأقلم مع ظروف الحياة مهما بلغت صعوبتها وقسوتها.

ولعلّ ما يمكن أن نصادفه في مخيمات النزوح السوري في سورية أو في البلاد المجاورة دليل عملي على ذلك، كالمتاجر المرتجلة التي جعل أصحابها من اللاشيء مكانا يبيعون فيه  المواد الغذائية والملابس وقطع الأثاث التي تتناسب تماما مع متطلبات الخيمة - المنزل. وكذلك فإن معدلات النمو السكاني وأعداد الولادات في أماكن تجمّع النازحين السوريين المرتفعة تدفع المراقبين للتساؤل، على ماذا يعتمد هؤلاء في تربية أولادهم؟ وكيف يفكرون في مستقبل أولادهم وفي الصحة والتعليم؟

ومن جهة أخرى نلحظ في يوميات السوريين، كل السوريين، أملاً ما في أن ما يمرون به من فقد وموت وحرمان وهجرة وتهجيرمنذ أكثر من عشر سنوات سينتهي، وسيعودون إلى بيوتهم ومزارعهم وأعمالهم، وينفضون الغبار عن أثاث بيوتهم إن كانت ماتزال قائمة، أويبنون بيتا مؤقتا مكان البيت المهدّم، ويشرعون بدورة بناء حياة جديدة. هذا ما يبدو عليه الحال لدى معظم السوريين، الأمل والقوة الكامنة لاستئناف الحياة الطبيعية في مدنهم وقراهم. ومع ذلك فإن كان الإنسان العادي يمكن أن يعمل على بناء نفسه بالصبر ومقاومة القسوة في الحياة على مستواه الشخصي وعائلته، لكن ماذا عن الحلول الجذرية؟ وماذا عن الأطراف التي تمتلك مفاتيح الحل ومازالت حتى الآن تعمل على استثمار مأساة السوريين لمصالحها الحاصة؟ هل يعول هؤلاء أيضا على صبر السوريين وقوة تحملّهم؟

افتتحنا الحديث بما خرجنا به من انطباع حول طريقة اهتمام الدول المعنية مباشرة بالملف السوري. طبعا عدا عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والدول والجامعة العربيتين، والاتحاد الأوروبي و إلى آخر القائمة من المجتمع الدولي، الذي يعقد السوريون عليه بعض الأمل في دعمهم للعودة إلى الحياة الطبيعية، ماذا عن السوريين المشتغلين في الملف العام؟ ماذا عن مؤسسة الإئتلاف، وهيئة التفاوض، والمبادرات السياسية والمنظمات الحقوقية والمدنية؟ ماذا عن الناشطين الذين يجولون دول العالم ويسافرون باسم القضية السورية والشعب السوري، ربما أكثر من وزراء خارجية بعض الدول؟ ماذا عن سيل المال المتدفق من الجهات الأجنبية - منظمات ودول - الممولة للمشاريع الخاصة بالسوريين؟ ماذا عن الإرادة السياسية للنظام السوري في اللقاء مع السوريين من الجهة المقابلة، واعترافهم ببعضهم كشركاء لايملكون خيارا سوى بناء دولتهم الواحدة والعيش المشترك؟ ماذا عن تجار الحرب أصحاب الثروات التي تكونت في سنين الحرب لتبلغ أرقاما فلكية؟ ماذا عن الدولة السورية، أو ماتبقى منها، والفساد الذي أكلها، حيث انها عمليا لا تزال قائمة الا بإرادة السوريين الذين مازالوا يرفضون فكرة زوال سورية كدولة وشعب ووطن من العالم؟ ماذا عن العَلَمين اللذين يحتمي بكل واحد منهما جزء من السوريين، والذي يعتبر الجزء المقابل خائن ومارق على الوحدة الوطنية؟ ماذا عن مشاريع سياسية مموّلة، تدّعي السوريّة، وهي لاتحتاج منَّا لجهد كبير لنرى ملامح التقسيم والتجزئة بين طياتها؟ ماذا عن الطائفية والمناطقية وازدحام الطريق نحو دولة المواطنة والقانون، بطموحات تلطّى أصحابها بفكر المعارضة والثورة ويحملون في رؤوسهم وصدورهم ثقافة الأنا و نهم السلطة؟ ماذا عن المسؤولية عن المغيبين قسرا والمختطفين مجهولي المصير والمعتقلين؟ ماذا عن الجيوش الأجنبية والمرتزقة الذين يتصرفون في الأرض السورية تصرف المالك بملكه؟

كل هؤلاء لديهم مشكلة مع الزمن السوري، لكن مشكلتهم هي أنهم يريدون إيقافه، فهم في أحسن أحوالهم قبل 2011، لم يكونوا حتى في خيالهم يرون أنفسهم على ما هم عليه الآن. وهم بالتأكيد يخافون على تقدم الزمن السوري باتجاه الحل السياسي والأمني والمعاشي، يخافون على امتيازاتهم ونفوذهم وثرواتهم من فكرة مرعبة وهي المساءلة والعدالة. هؤلاء كلهم وغيرهم كثر، لايعني لهم الزمن السوري شيئا، بل يريدون لأزمانهم الخاصة التقدم، ولزمن السوريين الذبول والتلاشي.

هنا يجب القول بان على السوريين الشرفاء وهم كثر، بل هم الغالبية من السوريين، الإمساك بدفة العمل وتوجيه الزمن نحو الزمن السوري المقبل، لأن  الشعب الأكثر قوة وصبرا وقدرة على تجاوز آلامه وأحزانه وعلى التلاؤم مع صعوبات العيش، يستحق أن يرسم بنفسه صورة أيامه المقبلة.

ابراهيم شاهين ©

2022.08.1010.08.2022