صدر  القرار 2254  المتَّخذ بالإجماع عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 2015، والمتعلق بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا.
بعد 8 أعوام على صدوره وعدم تنفيذه..
 هل المطالبة بتنفيذ القرار لا تزال أمراً منطقياً، في ظل التغيرات التي فرضت نفسها على أرض الواقع، وفي السياسة الدولية والإقليمية؟!
ثم.. ألا توجد حالة ضرورية لتعديله؛ كي يصبح متماهياً مع الواقع والمتغيرات والضرورات؟!
فالقرار يتحدث عن مرحلة انتقالية مناصفة بين "النظام" والمعارضة، هنا "النظام" واضح المعالم، لكن ماذا عن المعارضة، وكيف سيتم تمثيلها، وهل هي جاهزة؟!
وماذا عن اللاجئين السوريين، الذين هم عقدة الحل السوري، ما هي الآلية التي ستتم  من خلالها إعادتهم، في ظل عدم تهيئة البنية المناسبة أمنياً واقتصادياً؟!
أما المُعتقلون والمُغَيبون على كافة الأراضي السورية، ما هو مصيرهم بعد مرور سنوات على تغييبهم؟!
أسئلة كثيرة ومشروعة تدور حول القرار وكيفية تطبيقه، وأهمية تعديله، كي يشمل المتغيرات السياسية والجغرافية، التي شهدها الملف السوري خلال 8 سنوات.
سياسة خطوة مقابل خطوة
المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون أعلن بتاريخ 27/1/2022 عن حصوله على “دعم صلب” من الدول الفاعلة في الملف السوري، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا، للمضي قدماً بتنفيذ مقاربته التي أسماها “خطوة مقابل خطوة”،
 وتحدث عن تفاصيل المقاربة المتعلقة بالحل في سوريا، والمعروفة باسم “خطوة مقابل خطوة”.
حيث تسير من خلالها الدول العربية على صعيد علاقتها المستجدة مع الحكومة السورية، وكانت آخر محطاتها حضور الرئيس بشار الأسد اجتماعات القمة العربية في مدينة جدة السعودية.
وقال بيدرسون في حوارات صحفية، إنه يحاول مع الدول الفاعلة في سوريا “القيام بخطوات ملموسة ومتدرجة ومتبادلة”.

وأضاف أن “هذه الخطوات تساهم في تحقيق دفع العملية السياسية، ومن المهم جداً أن تكون متوازية وقابلة للتحقق منها، وأن تساهم في تغيير الواقع على الأرض”.

الأردن يطرح ورقة تدعم الخطوة مقابل الخطوة

أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مطلع العام الجاري، عن المبادرة الأردنية " خطوة بخطوة"، والتي أشار إلى أنها مدعومة عربياً، بهدف إعادة دمشق للحاضنة العربية، على اعتبار الأردن من أكبر المتضررين اقتصادياً وأمنياً وسياسياً من الأحداث الجارية في سوريا، حيث  أشار الصفدي إلى أن المبادرة تستهدف إطلاق جهود عربية للانخراط مع الحكومة السورية في حوار سياسي، يستهدف حل الأزمة ومعالجة تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية، ويضيف الوزير الأردني "نحن كعرب أولى بتصدر طاولة الحوار لأن سوريا بلد عربي، وتبعات الأزمة تؤثر فينا أكثر من غيرنا".
حيث ينطلق الأردن في مبادرته من أن تبعات هذه الأزمة أثّرت وتؤثر في دول الجوار والمحيط العربي أكثر مما أثرت في الدول الأخرى، ولذلك ينبغي أن يكون الحل عربياً. 

وتقول مصادر سياسية إن الأردن طرح أفكاراً عدة للحل على الحكومة السورية، وهو ما تُرجم عملياً إلى ما يمكن تسميته بتقارب عربي مع دمشق وعودة تدريجية ومشروطة للعلاقات معها، مدفوعة بالكارثة الإنسانية التي نجمت عن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وحملة التضامن والمساعدات العربية التي تلتها.
فيما يبدو أن الأردن معنيٌ بالحل في سورية أكثر من غيره كون البلدين يرتبطان بأطول حدود مشتركة تمتد لأكثر من 375 كيلومتراً، كما من شأن أي حل سياسي أن يوقف تداعيات أكثر من 12 سنة من الحرب، كموجة اللجوء السوري وتهريب المخدرات، والتهديد الأمني الذي تمثله الميليشيات الإيرانية وحزب الله في جنوب سورية، عدا عن عودة تدفق البضائع وانتعاش الاقتصاد المتبادل بين البلدين الذي طاله الضرر والتعطل لسنوات.
وتبدو الملامح الأساسية للمبادرة الأردنية تقوم على تقديم المجتمع الدولي مساعدات اقتصادية لسورية وتخفيف العقوبات تدريجياً عنها، والبدء بإعادة الإعمار وإعلان عملية كبرى لإطلاق سراح معتقلين والأسرى بموازاة الانخراط جدياً في عملية سياسية ديمقراطية قوامها إجراء انتخابات شاملة.

هل تُجهِض روسيا والصين القرار 2254؟!
في التاريخ الحديث ظهر "البعبع" الشيعي الإيراني عام 1979، في مواجهة "البعبع" السني في المنطقة والذي تقوده السعودية.
ليظهر صراع طائفي في المنطقة تُغذيه أمريكا لصالح هيمنتها على المنطقة، ثم بدأت بإحداث قواعدها العسكرية في منطقة الخليج العربي، في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، حيث انفردت أمريكا بقيادة العالم بعد عام 1990.
الأحداث السورية، جعلت من روسيا والصين قوة سياسية في مواجهة أحادية القطب الأمريكي، حيث أصبحت كل من روسيا والصين يعملان على إنشاء تحالفات ثنائية تمهيداً للوصول لعالم متعدد الأقطاب.
تحركت الصين لرأب الصدع بين إيران والسعودية الخصمين اللدودين في المنطقة، وتُوج هذا التحرك باتفاق سعودي إيراني؛ لإعادة العلاقة بينهما برعاية صينية في مطلع 2023، وتم بعدها فتح السفارات في البلدين، والتوقيع على عدة اتفاقيات اقتصادية وأمنية.
وقبل ذلك كانت روسيا تتحرك على الملف السوري التركي المًعقّد، حيث تتواجد قوات تركية داخل الشمال السوري، الذي بات عقدة في ملف التسوية السورية، وتتواجد فيه أيضاً قوات أمريكية، ومنابع النفط السوري، والإدارة الذاتية الكردية.
فنجحت روسيا بتذليل المصاعب أمام الحكومتين السورية والتركية، وعقد لقاءات عدة بين مسؤولي البلدين وعلى كافة المستويات الأمنية والسياسية، تمهيداً لعقد قمة سورية تركية في روسيا في النصف الثاني من 2023، بالتزامن مع انضمام إيران لهذه المباحثات.

 إذن.. يبدو أن الاهتمام الدولي بالقرار 2254، أصبح ثانوياً وليس أولوية لجميع الدول صاحبة القرار في الحل السوري، والتحول لمبادرة خطوة مقابل خطوة، وتقديم الملفات الإنسانية والاقتصادية وقضية اللاجئين على الحل السياسي، هي الأولوية لدول المنطقة، دون أن يرتبط مبدأ الخطوة بخطوة بجدول زمني لإنهاء الكارثة السورية، وقد يؤدي فشل هذه المبادرة الى فتح مآلات عديدة كارثية على مستقبل الدولة السورية، قد يكون أخطرها الإبقاء على حالة الأمر الواقع في جميع المناطق السورية، ما يؤدي إلى الوصول إلى الدولة الرخوة، أو تفكيك الجغرافية.

أسامة أبوديكار ©

2023.07.0202.07.2023