يصف البعض، بأن المجتمع كالطائر الذي يحتاج الى جناحين كي يستطيع التحليق والارتفاع، جناحه الأيمن من الرجل، بينما جناحه الأيسر من المرأة، وبدون أحد أجنحته لا يستطيع الطيران والتحليق، ويصبح عاجزاً. وإذا انطلقنا من هذه المقولة، فإن المجتمع الذي لا يكون فيه دورٌ للنساء، فهو مجتمع منقوص الهوية أولاً، ومنقوص القدرة والإرادة على النهوض والسير نحو حياة كريمة.

 

وضع المرأة في المجتمع السوري

 

إذا عدنا في الزمن قليلاً الى قبل العام 1980، لوجدنا أن المرأة السورية كانت حاضرة وقوية، وتذهب الى الجامعة بكامل حريتها، وتشارك في كل المناسبات العامة أو الخاصة، أو حتى ضمن العمل السياسي. وإذا عدنا أكثر في الزمن الى الثورة السورية الكبرى، فنجد أن المرأة شاركت ضد الاستعمار الفرنسي في المعارك، وساهمت مع الثوار في الدفاع عن سورية، وبعدها ساهمت في التجمعات السياسية أيضاً. هنا، يجب على المرء التساؤل: ما الذي تغير بعد عام 1980؟

 

لقد كان للتحالف بين الاستبداد السلطوي مع الاستبداد الديني، دوراً كبيراً في تحجيم دور المرأة، حيث أصبحت الثقافة وصار التطور المجتمعي بشكل عام ضحيتين لهذا التحالف. ولدى انطلاق الربيع العربي، وبدأ الحراك الشعبي السوري في العام 2011، وتحرك الشعب للمطالبة بحقوقه في العيش الكريم، وسعيه نحو المواطنة والكرامة، كان للمرأة فرصة المطالبة بحقوقها التي لم تكن مختلفة عن حقوق الرجل ومطالبه العامة، والمطالبة بتغيير القوانين الظالمة التي تحدّ من المساواة والعدالة وغيرها...الخ. فالمطالبة مثلاً بتغيير الدستور هو مطلب شعبي يخدم الجميع (نساءً ورجالاً)، وإن كان للمرأة مطالب أكبر في تعديل القوانين والأنظمة السائدة التي تحدّ من قدرتها على النهوض بالمجتمع مع الرجل، للوصول الى دولة المواطنة والحرية والعدالة، والمطالبة بتنفيذ القرارات الدولية التي تؤكد على حق المرأة في العيش الكريم والمساواة في الحقوق والواجبات.

 

إن الحرب والكارثة الحاصلة اليوم في سورية تؤثر على المجتمع برمته، ولا يمكن الوصول الى حلّ نهائي ودائم وعادل دون المشاركة الفاعلة للمرأة في حل النزاعات، وخاصة أن هذه الأزمة قد أدخلت المرأة في سوق العمل بقوة وأهمية كبيرة، وأوكلت إليها مهمات صعبة في حماية الأسرة والمجتمع من التفكك، بسبب هجرة الشباب ومعاناتهم من الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف منهم، مما جعل آلاف الأسر دون معيلٍ. إذاً فالمرأة أثبتت حضورها وفاعليتها في التعويض عن غياب الرجل، فما الذي يمنعها من أخذ دورها أيضاً في صناعة السلام؟

 

المعروف بأن النزاعات التي تنطوي على عنفٍ يلقي بتأثيرها غير المتكافئ على النساء والفتيات، ما يضاعف من حدة عدم المساواة والتمييز بين الجنسين القائمة مسبقاً. من جهة أخرى يعني ذلك بأن المرأة يمكن أن تكون عاملاً فاعلاً في إحلال السلام في النزاعات المسلحة، لكن هذا الدور كلاعب أساسي للتغيير وإحلال السلام لم يُعترف به بشكل كافٍ حتى الآن. إن الإقرار بالفهم المختلف للمرأة وخبراتها وإمكانياتها، وضرورة دمج كل ذلك في جميع جوانب عمليات حفظ السلام هو أمر جوهري لنجاح الجهود لحفظ السلام وديمومته.

المرأة السورية والقرارات الدولية والدستور السوري

 

قررت الأمم المتحدة، بأنه من الواجب العمل على ضمان أن تحتلَّ أولوياتُ المرأة أهميةً مركزيةً في قرارات السلام والأمن على كافة المستويات. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، فإنه يجب العمل على مواجهة العوائق الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومخاطر الحماية التي تحدُّ من المشاركة الكاملة للمرأة في تحقيق السلام وحفظه.

 

  • اتفاقية سيداو (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) الصادرة قي 18 كانون الاول/ديسمبر 1979:

 

تشكّل الاتفاقية أداة تساعد النساء في جميع أنحاء العالم على إحداث تغيير في حياتهن اليومية. وقد أثبتت الاتفاقية، في البلدان التي صادقت عليها، أنها لا تُقدَّر بثمن في التصدّي لآثار التمييز، التي تشمل العنف والفقر والافتقار إلى الحماية القانونية، إلى جانب الحرمان من الميراث وحقوق الملكية والحصول على الائتمان. فالاتفاقية تؤكد على مبدأ عدم جواز التمييز القائم على الجنس وضرورة التساوي في الكرامة والحقوق، وتشير إلى أن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكا لهذه المبادئ وعقبة أمام مشاركة في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو المجتمع والأسرة.

 

  • قرار مجلس الأمن رقم 1325 الصادر في 31 تشرين الأول/أكتوبر من العام 2000

 

لقد كان أول قرار يُقر بالأثر غير المتكافئ والخاص للنزاعات المسلحة على النساء والفتيات. كما أقر بالإسهامات التي تقدمها المرأة لمنع النزاعات وحلها وبناء السلام، كما أشار إلى أهمية مشاركتها الفعالة والمتكافئة، كعامل فاعل في السلام والأمن. وقد حث هذا القرار كلاً من مجلس الأمن، والأمين العام، والدول الأعضاء، وجميع الأطراف الأخرى، لاتخاذ كل التدابير اللازمة في المسائل المتعلقة بمشاركة المرأة في عمليات صناعة القرار وإحلال السلام. وبالفعل فقد تم اتخاذ العديد من الخطوات لتنفيذ هذا القرار في جميع أنحاء العالم منذ صدوره. وهكذا ساعد هذا القرار التاريخي النساء في التغلب على الكثير من الصعاب التي كانت تعوق اشتراكهن في قضايا السلام والأمن الإنساني.

 

لكن، وعلى الرغم من الجهود الحكومية وغير الحكومية، فإنه مازالت هناك فجوة وعيٍ كبيرة في العالم العربي فيما يتصل ببنود وتطبيق هذا القرار الهام. وللأسف، لا تزال المرأة مستبعدة إلى حد كبير من المشاركة في عمليات السلام والوساطة. ونتيجة لذلك، فإن المنظورات الجندرية لا تزال غائبة عن جهود السلام القائمة. ويحدث هذا على الرغم من الدور الهائل الذي تقوم به المرأة في تعزيز السلام والحوار السلمي وإنهاء الأعمال القتالية في كثير من الصراعات المسلحة. لذلك من المهم بنفس القدر، أن تتعلق عمليات السلام باستنباط وتحديد هياكل سياسية جديدة ومؤسسات للحكم، وخصوصاً العمل على المشاركة في إنشاء دستور جديد. وبما أن عمليات إحلال السلام هذه قد تنجح، وتمثل بالتالي لحظات حاسمة في تاريخ البلد ومساره، فإنه ينبغي عدم ترك المرأة خارج تلك العمليات.

 

قد تكون هناك أيضاً فرص لدعم عمليات الحوار الموازية بين النساء والجهات الفاعلة في المجتمع المدني، ولكن هذا يتوقف كثيراً على الحالة الأمنية في البلد. وبمجرد أن يكون هناك وضوح أكبر في إمكانية عقد محادثات رسمية، فإنه من الأهمية بمكان العمل مع النساء والمنظمات النسائية والمجتمع المدني لمساعدتهن في الإعداد لمشاركتهن في عمليات السلام، سواء كان ذلك مباشرة على طاولة المفاوضات الرسمية أو في المسارات والهياكل والعمليات الموازية. ومن المهم كذلك أن تؤدي النساء أدواراً متنوعة في عمليات السلام المعقدة والمتعددة المسارات.

 

  • المرأة في الدستور السوري

 

تشير الدراسات القانونية، واللقاءات مع القانونيين والقانونيات، الى أن الدستور السوري الحالي لا يُنصف المرأة، ويحد من قدرتها على المشاركة الفاعلة في السياسة. فالدستور الحالي يعتمد مثلاً على الشريعة كمصدر رئيسي لتشريعات الدولة، ما يعطي بعض الجهات الدينية والتشريعية والقضائية صلاحية تفسير ذلك بمعنى إضعاف مشاركة المرأة في المجتمع والدولة. كما أنه لا توجد كوتا نسائية واضحة لإشراك المرأة في المناصب وأماكن العمل الرسمية، إضافة إلى أنه يتم انتقاص حقها في الحضانة. وكذلك فإنه لا توجد بنودٌ واضحة لقدرتها في الترشح للمناصب القيادية، ما يتطلب عملياً جندرة الدستور، والعمل على إشراك المرأة في صياغة الدستور القادم، وعدم انتقاص حقها ووجودها.

 

خاتمة

 

إن توقيع سورية على اتفاقية سيداو، والتحفظ على بنوده المخالفة للشريعة، يعيق العمل بهذه الاتفاقية لأنه يعطي الحجة لمن يريدون استغلال الدين لقمع المرأة. لذلك لا بد من العمل والضغط لتطبيق بنود الاتفاقية دون أية تحفظات تعيق تطبيقها أو تعطي الحجة لمن يعمل على الحد من مشاركة المرأة وحقوقها ودورها العام.

 

 

 

 

 

أسامة أبوديكار ©

2022.12.1414.12.2022