تذكر إحدى الأساطير، أن سكان روما اختلفوا يوماً فيما بينهم، وتنازعوا وتقاتلوا، وتصارعوا وتشابكوا، إلى أن انقسمت روما بينهم إلى قسمين، وادّعى كل قسم منهم بأنه يمثل روما الأصلية بحقيقتها وكينونتها. فهل كان الخلاف بينهم عميقاً لدرجة وصولهم إلى هذا الانشطار، حيث أصبح كل شطر منهم يفكر بالقضاء وتدمير الشطر الآخر، وأصبحوا يستعينون بالغريب لتخليصهم من بعضهم البعض؟!.

أهالي روما الحقيقيين والأصليين، أخذوا يتفكرون فيما بينهم، هل يستطيعون العيش مجدداً مع بعضهم؟ وهل يستطيع شطر منهم الاستغناء عن الشطر الآخر؟ فقد أصبح صاحب القرار في الشطرين غريباً عن البلد. كما بدأ الغريب بإفراغ روما من أهلها الأصليين، والعمل على تعميق الفتنة بينهم. هذا ما أدى إلى أن أهل روما أخذوا يفكرون بشكل جدّي وحقيقي إن كانوا يستطيعون يوماً أن يعودوا كما كانوا؟! وبالتالي أخذوا يبحثون عن السبب الحقيقي لِما جرى لمدينتهم، فعادوا إلى رشدهم، فأُنقِذت روما، وطُرد الغريب منها.

هذا ما ترويه الأساطير عن مدينةٍ أهلها انقسموا وقاتلوا بعضهم، ثم عادوا وأنقذوا مدينتهم، فلماذا لا نعمل مثل أهل روما ويعود السوريون لرشدهم؟! وينقذوا شآمهم؟!. فبعد أعوامٍ عِدّة من الدمار والقتل والتهجير، والتكفير والتخوين، وبعد أن عبث الغرباء بهذه البلد وانقسم الناس فيما بينهم، حيث لا تنفصل المشاهد في حيثياتها عن بعضها البعض. إضافة إلى ذلك فالمؤشرات السلبية لتطورات المنطقة تشير إلى عُمق الشرخ الديني والمذهبي، ولا أعتقد أنها مشاهد ومؤشرات عفوية. فمشهد السوريين في الشتات، كل الشتات، يُنبئ عن كارثة انسانية لم يشهد التاريخ الحديث مثلها. وأيضاً الوضع المأساوي لمن بقي في الداخل السوري، بين فكي الموت جوعاً، أو استبداد ٌ قهري، لا يرى غير المؤامرة التي تستهدفه، وينظر بتشاؤم إلى أي حل سياسي مقترح.

ماذا جنى السوريون خلال سنوات الكارثة غير المزيد من الدمار والتشرذم والتفتت، والغريب بالأمر أن بعضاً منهم لا يزال مُتمترساً حول رأيه ولا يتقبل الآخر. ما هو ذنب السوريين الذين طالبوا مراراً وتكراراً بإصلاح الأحوال، حتى يصل بهم الحال الى هذا الواقع المُزري.

لا غالب ولا مغلوب...

بعد عشرة أعوام من عمر الكارثة السورية، يُطرح السؤال التالي: من الذي انتصر في الحرب؟! وبإجابة بسيطة لا أحد، فقط هو السوري الذي خسر ويخسر. فقد خسر السوريون وطناً بات الأغراب يتنازعونه ويتقاسمون ثرواته ويتحكمون بمصيره ومصير أبنائه.

أما عن وحدة الأرض السورية...

فباتت مهددة بين جيوش عدة تستحدث قواعد عسكرية لها. والسوريون بات قرارهم مُشتتاً بين تلك القوى التي تحرص على ألا ينهض السوريون من غفلتهم. من هنا... سيبقى الحديث عن طول الأزمة... واستمرار الكارثة... والأكثر خطورة هو الحديث عن مشاريع التقسيم في المنطقة، والتي لم يعد الحديث عنها يجري تحت الطاولة وإنما في العلن دون حياء أو وجل. كذلك فقد كثر الحديث عن مؤتمرات طائفية تجري هنا أو هناك، لبحث مصير تلك الطوائف تمهيداً لإطلاق الدويلات الدينية. وأشدّ خطورة من تلك الأحاديث هو حال السوريين الذين لم يعد يعنيهم ما يُرسَم لهم. فمطالبهم اليوم تنحصر بالاقتصاد والجوع، وكأنهم أصبحوا جاهزين لأي مشاريع تُفرَض عليهم.

عقد اجتماعي سوريٍ جديد...

بات على السوريين واجب النهوض والصحوة، وكتابة عقد اجتماعي سوري جديد يعيد للسورين أَلَقهم وفاعليتهم كسوريين حقيقين كما عرفهم التاريخ. عقد يعترف بحقوق الجميع دون استثناء، فسورية بلد متنوع، والتراث السوري يشمل كافة الحضارات التي عاشت وتعاقبت ولا زالت تعيش على الأرض السورية. وهذا ما يعني يأن الحفاظ على إرث وجوهر ومظاهر كل هذه الحضارات يشكل واجباً يرتبط بصميم الهوية السورية.

والمساواة بين السوريين في الذات الإنسانية والكيان البشري والمراكز الحقوقية وضمان حرياتهم في المجالات كافة، مسألة غير قابلة للمساومة...

مما يعني بأن التأكيد على مبدأ المواطنة، وأن الجميع متساوون أمام القانون، ولهم جميعاً ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات، هي مسائل أساسية في البناء السوري الجديد.

انطلاقاً من الطموحات وبناءاً على المؤشرات التي يجب أن يتنبّه إليها السوريون. فإن عليهم أن يصحوا ويعوا إلى أي مصير بائس هم ذاهبون. يجب عليهم أن يسارعوا لإنقاذ سوريتهم وشآمهم، كما فعل أهل روما، فسورية أغلى من الجميع... فليرحل عن سورية كل من لا يريد للشآم خيراً، فقد لحقها من الدمار الكثير الكثير.

علينا كسوريين أن نفتش عن طريقة للعيش معاً كما كنا في التاريخ السوري، الذي هو أكبر وأعمق وأقدم بكثير من كل الأديان والمذاهب والحكّام. أسطورة روما، كما وردت في التاريخ، أنهت مأساة روما وأهلها، فمتى نصحو لحقيقة الكارثة والمعاناة السورية؟ فما قد يكون أسطورة بالأمس... يجب أن يصبح حقيقة ماثلة أمام أعيننا اليوم. فسورية تحتاج إلى خطاب عقلاني مدني، يؤكد على الثوابت الوطنية السورية، تكون المواطنة فيه من حق كل السوريين، وهذا ليس بمستحيل...

أسامة أبو ديكار ©

2021.04.2020.04.2021