بادئاً ذي بدء، من المهم التأكيد على أنه بدون تسوية سياسية حقيقية، وانتاج عقد سياسي واجتماعي جديد في سوريا، فإن كل المبادرات ستكون مجتزأة وعبثية وستنتهي جميعها بالفشل. إذ لأنه لا يمكن أن تحصل أية تسوية في سوريا إلا إذا أخرج الجميع رؤوسهم من الصندوق الأسود الذي أنتج الأزمة. فلا يمكن أن تحصل التسوية إذا لم تعترف السلطة أنها كانت سلطة زيادة عن اللزوم! وأن تعترف المعارضة بأن مشروعها الوحيد وهو أن تكون بديلاً كاملاً للسلطة زيادة عن اللزوم أيضاً!

 

هذه الحالة الشاذة في المسألة السورية والتي تتكون من الخطوط المستقيمة والمتوازية والتي لا يمكن أن تلتقي أبداً، هي حالة من خارج الطبيعة، كما أنها من خارج السياسة ومفاهيمها، وكل ما يمكن أن تفعله، هو الهروب إلى الأمام. وعلى ما يبدو بأن هذا "الأمام" لم يعد يتيح الكثير من الوقت ولا الكثير من الاحتمالات، وخاصة أن الصراع الدولي على الحصص في سوق النظام العالمي انتقل من ساحات الشرق الأوسط، ومن الساحة السورية بشكل خاص، إلى الساحة الأوكرانية المتاخمة لأوروبا. هذا يعني بأن رهان البعض على الوقت لم يعد رهاناً حكيماً، ولا عقلانياً، إذ أن هذا الوقت قد يطول بأكثر من سرعة التفسخ الداخلي وترسيخ خطوط جغرافية الأمر الواقع، مع كل ما يعنيه ذلك من خطورة جدية على بقاء الكيان السوري، أو - لا سمح الله - قد يؤدي إلى نهاية سوريا التي نعرفها. ناهيك عن مخاطر عودة الصراع إلى الساحة السورية، خاصة وأن كل أطراف هذا الصراع الدولي والإقليمي ما زالوا حاضرين أصالة أو وكالة، مما يعني بأن هذا "الأمام" بات يعني الأسوأ الذي يليه، أي "الأكثر سوءاً".

 

هنا تكمن أهمية مدونة السلوك لعيش سوري مشترك لأنها أتت من خارج هذان الخطان المتوازيان من الاستقطابات الحادة. لقد أتت من شخصيات من المجتمع المدني والأهلي السوري، ومن كل أطيافه السياسية في محاولة جادة ورصينة لإيجاد هامش مشترك تلتقي فيه كل الخطوط من أجل إعادة رسم خريطة جامعة تُبنى على مشتركات وطنية ودستورية تطوي صفحة الحرب في سوريا وعلى سوريا، وتقول: "سوريا وطن لكل أبنائه على قاعدة العدالة والمساواة والكرامة الإنسانية".

 

أهمية مدونة السلوك أنها ليست جسم سياسي، وليست منصة سياسية، وبالتالي فهي لا تطرح نفسها بديلاً عن أحد، ولا تزاحم أحد لأن مشروعها ليس مشروع سلطة بقدر ما هو محاولة بناء جسور وفتح قنوات بين كل السوريين على مبدأ: "ننتصر لبعضنا البعض وليس على بعضنا البعض". فبهذا الشكل، إما أن نربح جميعنا، أو أن يلعننا التاريخ لعنة دائمة لن تزول.

ميشيل عرنوق ©

2022.11.0303.11.2022