بين زلزال شباط و زلزال أيار، هناك الكثير من الاهتزازات على مقياس العلاقات الدولية، إذ إن تلك الاهتزازات العنيدة على مقياس ريختر، والتي أرخت بظلالها على هذا المقياس؛ لتنقل سوريا من دولة معزولة عربياً بداية ودولياً ثانياً، إلى واجهة الحدث والمشهد.
فبعد زلزال الأزمة السورية التي مضى عليه عقد ونيف من صور دمارها وخرابها، جاء زلزال الطبيعة؛ ليكمل مأساة السوريين ويصب غضبه وسخطه على آلامهم ومأساتهم، التي غابت عن تفكير الكثيرين خلال تلك السنوات الطويلة، وما خلفته تلك العزلة.

ونحن هنا أمام مفارقة عجيبة، ترى هل كنا بحاجة إلى زلزال مدمر حتى يرى العالم حقيقة ما خلفه زلزال الصراع على الأرض السورية ؟ 
فنحن اليوم أمام مشهدية لا يحسد عليها السوريون، فكل تلك المآسي والخراب والهجرة والشتات والغرق في البحار، جاء غضب الطبيعة ليدفن البقية تحت أنقاض، لم يحالف الحظ أيضاً المدفونين تحتها، ولم يسعف الزمن في انتشالهم؛ بسبب قلة الحيلة والموارد الإغاثية في بلد منكوب أصلاً بكل ما فيه، ما جعل السوريون يقدمون مزيدًا من القرابين على خشبة خلاصهم.

على أثر هذه المشاهد كسرت سلسلة طوق العزلة هذا، وبدأت بعض الدول العربية والمنظمات الإغاثية بالدخول إلى سوريا، وبدأت الوفود من تلك البلدان تعبر جدراناً محطمة أساساً، كان يجب  أن تعبرها قبل ذلك بكثير.
ترى هل كنا بحاجة إلى هذا الزلزال لتعود تلك الوفود إلى دمشق؟ 
مهما يكن فيجب أن نتفاءل، فسوريا لن تقوم من تحت الأنقاض إلى برافعة عربية وعودة العلاقات الطبيعية مع أشقائها العرب.
وتُوجت آثار هذا الزلزال بعودة سوريا إلى الجامعة العربية؛ لتحتضن مدينة جدة من خلال قمة العرب الثانية والثلاثين هذه العودة، وتكون نافذة أمل للسوريين في بدء نهاية الأزمة، وضرورة الاتفاق على مد جسور لحل كل الأزمات والملفات التي ستطرح على طاولتها، وقد كان للمملكة العربية السعودية الجهد الكبير في عقد تلك الأجواء التوافقية، مع خطاب يتبنى فكفكة الأزمات والخلافات العربية العربية؛ لمواجهة كل المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة.
إن هذه المجريات ضرورة ملحة أمام كل هذه المتغيرات، فمن هنا ومن هذه القمة الاستثنائية، تنطلق ملامح نظام عربي جديد قائم على المصالح المشتركة؛ لإعادة تشكيل المنطقة من جديد أمام المشاريع الإقليمية المجاورة، من تنامي النفوذ الروسي والصيني والإيراني والتركي.
من هنا بدأت رؤية "صفر مشاكل" التي بادر بها ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، وآتت ثمارها من خلال التقارب السعودي الإيراني بهدف إنهاء الملفات الشائكة والتفرغ لبناء استراتيجية عربية متكاملة حول كل الملفات، لتتبلور المرحلة القادمة في عودة العلاقات العربية إلى ما يعزز تلك العملية  والمضي فيها.
نعم إنه زلزال مغاير تماماً في مضمونه، يعيد الحياة والأمل لجميع العرب عموماً وسوريا خصوصاً.

عضو من المدونة ©

2023.06.2323.06.2023