من الواضح أن تغييراً طرأ على طبيعة الفقر داخل الدول بشكل عام، فاليوم أصبح نمط الحرمان المادي الشائع في الدول النامية من حيث المبدأ في حكم الماضي. ومع هذا، يعيش ملايين السوريين حياة غير آمنة تحفها المخاطر، ذلك أنهم دائماً على وشك التعرض للاضطهاد في المخيمات وبعض دول اللجوء، أو انهم لا يعرفوا من أين سيحصلوا على وجبتهم التالية، إضافة إلى ان سبل العيش في الداخل السوري بين البطاقات الذكية وانهيار العملة (الليرة السورية) مقابل العملات الصعبة وارتفاع الأسعار ومحدودية الدخل بشكل عام اصبحت على درجة عالية من الصعوبة.

من هنا يمكن القول بأن جميع السوريين اصبحوا غير واثقين بالسبيل الذي يمكنهم الحصول من خلاله على دخل، ما يعني بأن الحياة غير الآمنة حلت محل الحرمان المدقع باعتبارها السمة الرئيسية للفقر. فاقتصاد الدولة السورية يعاني لعدم وجود الدعم الأساسي لمقوماته من صناعة وتجارة. إذ ان جشع التجار واستغلالهم للواقع الأليم وانعدام الصناعة نتيجة الحرب وهجرة اليد العاملة وانعدام القدرة على تامين التجارة من قبل سلاطين السلطة بالدولة السورية بسبب سطوة سلاطين القوة على الأراضي والذين لا يخضعوا للدولة، ما أدى الى عدم جلب الاستثمارات لمصلحة اي طرف من الاطراف.

واذا عدنا الى المكون الأساسي والعامود الحامل للاقتصاد السوري الا وهو الزراعة، والتي تبنى بشكل عام على كاهل الفلاح، فقد اصبح هذا العامود هش ومتهالك لعدة أسباب وأهمها قلة الامطار لهذا العام بالنسبة للإنتاج الزراعي، وتدهور أسعار الماشية وارتفاع أسعار الاعلاف، ما أدى الى انهيار هذا الجانب الاقتصادي وسيطرة بعض الفصائل والمنظمات على الإنتاج الزراعي في الأراضي الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، وخصوصا شمال شرق سوريا، كما ان هناك ايادي تعبث بارزاق المزارعين حيث على انه على مر أعوام تم حرق العديد من الحقول الزراعية قبل موسم الحصاد بايام.

السوريون الى اين؟

ادى الفقر الى هجرة السوريين المنتجين الى جميع دول العالم، علما ان السوريين في معظم دول اللجوء استطاعوا بناء اقتصاد مستقل على مستوى الافراد. الا ان التنفير الأمني في الداخل وعدم الاسقرار في مناطق سيطرة المعارضة يحجب قدرات التطوير الاقتصادي السورية والاجنبية. اي ان ما يحصل الان باختصار هو افراغ سوريا من جميع ما هو داعم للاقتصاد للأسباب التي ذكرت آنفا. ومما لا شك فيه أن استمرار فشل سياسات مكافحة الفقر، ولا سيما لجهة تهميش مزيد من الفئات والقطاعات الاجتماعية وخاصة الشباب، يؤدي الى توسيع الفجوات بين الفقراء والاغنياء وبين الرجال والنساء وبين الكبار والأطفال.

اما من الناحية الثقافية فهناك كارثة اكبر، حيث ان الكثير من الأطفال لم يدخل المدارس، كما ان تعدد المناهج وطرق التعليم بين الداخل ومناطق المعارضة سبب فشلا عضويا في العمل التعليمي، ما سيؤثر على المستوى الاقتصادي للجميع. إن الفقر يجعل من الفقراء الاضعف مساهمة في المنتج الثقافي بما يحتويه من أعمال فكرية وأدبية وفنية، كما يجعل من البيئات الفقيرة مرتعا للخرافات والاساطير والافكار السطحية والثقافة الاستهلاكية. وإن فشل السياسات الرسمية في مكافحة الفقر، يؤدي إلى تعزيز ذلك الواقع ويدفعه نحو التفاقم، وخاصة في ظل تدني نسب ومستوى التعليم نتيجة التسرب المدرسي وعدم انخراط الفتيات بالدراسة، وتدهور أحوال المدرسة الرسمية، خصوصا في البيئات الفقيرة مثل القرى البعيدة والاحياء المهمشة.

ما يجدر ذكره ختاما بان انعكاس فشل سياسات مكافحة الفقر على النساء قد يكون الاخطر بين النتائج الاجتماعية، ليس بسبب حجم النساء في المجتمع ودورهن المتعدد الابعاد فيه، بل بفعل ما ينعكس عليهن من آثار في ظل قيام النساء بدورهن في إعالة الاسرة ورعايتها في بعض الاحيان نتيجة غياب رب الاسرة أو تعطله، اضافة إلى ما تقوم به المرأة بصورة تقليدية لجهة رعاية الاسرة وإنجاب وتربية وتعليم وتأهيل الأطفال. هذا يخلق في النهاية حالة عدم استقرار وتقهقر في المجتمع، اذ ان المجتمع يقبع على بركان خامد يمكن ان يفجره الجوع في اية لحظة.

من هنا، فان على طرفي النزاع التفكير بشكل جدي لايجاد سياسة لمكافحة الفقر تعتمد على تشكيل لجان ادارية حقيقية تعمل على ذلك وتسعى على ان يتم وضع الخطط والأنظمة اللازمة. ومن بعد ذلك يجب إيجاد أجهزة مختصة تعمل على تطبيق الأنظمة والخطط التي وضعتها تلك اللجان الادارية المختصة.

 

13/07/2022

ممدوح الطحان ©

2022.07.2020.07.2022