مدخل:

 

الدستور تعريفا واصطلاحا: هو مجموعة القواعد والأسس التي تنظم ممارسة السلطة بين المؤسسات المتعددة التي تتشكل منها، وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية. فهو يعتني بترتيب العلاقة ما بين هذه المؤسسات، بهدف حماية المواطنين من السلطة المطلقة. فالسلطة في العصور الوسطى وحتى بدايات العصور الحديثة كانت تتجمع بيد رجل واحد، والذي كان يمارسها حسب أهوائه حتى وصلت إلى مكان ما بالمفسدة المطلقة. على أنه مع ظهور وقيام الدستور كناظم للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فقد تم انتزاع السلطة من يد هذا الرجل الواحد وإعادتها للشعب لممارستها مباشرة من خلال مؤسسات منتخبة ومفوضة باسم هذا الشعب، ما يعني بأن الفلسفة الأساسية للدستور ووضعه يتمثلان في ضبط السلطة.

 

لقد قامت الدساتير جميعها على تنظيم حقوق وواجبات الأفراد المقيمين في الدولة، وتم تخصيص قواعد هذه الحقوق من خلال أبواب وتعاريف ومنطلقات وتعدادات تشكل قوام الدستور كي ينال هؤلاء الأفراد حقوقهم وتتلى عليهم واجباتهم المنصوصة فيه. كما تمت ضمانة ذلك وحمايته من خلال سلسلة من المفاهيم الاجتماعية والقانونية التي تقود إلى إلتزام وواجب سلطة الدولة لحماية هذه الحقوق وضمان تمتع الجميع بها. وفي النهاية خلصت كل الدساتير الموضوعة في العصر الحديث إلى تبني فلسفة ما يسمى شرعة حقوق الإنسان وإدراجها ضمن المبادئ والقواعد الدستورية.

 

وعليه، فإنه عند نشوء وولادة دولة جديدة أو نظام جديد بعد صراعات أهلية أو انقلابات أو ثورات، فالدستور هو من يرسم ملامح وهوية الدولة الجديدة ونظام الحكم فيها، وحقوق المواطنين وواجباتهم والايديولوجية السياسية للعمل السياسي الجديد الذي يقود الدولة والمجتمع. من هنا نصل إلى تعريف آخر للدستور بأنه القانون الجمعي الأول والأسمى بين القوانين، أي أنه القانون الأعلى الذي لا تجوز مخالفته من قبل أي شخص أو مؤسسة أو سلطة مهما كانت تمتلك من صلاحيات.

 

من خلال هذه المنطلقات تصاغ الدساتير وتستقي موادها من الواقع المجتمعي والتشكيل الديمغرافي المتنوع للدول والكيانات البشرية. كما أنه يسن كأداة للتنمية والتطوير، وليس كعقد اجتماعي مغلق يتحدد ضمن حدود وتعاريف ضيقة. إذ أن الدستور يصاغ من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية والتنمية والتطور تحت سيادة القانون، الذي يسعى إلى بناء مفهوم الدولة والمواطنة والديمقراطية، التي تكون السيادة فيها للشعب، وتتحقق من خلال التداول السلمي لكافة أنواع السلطات.

 

كما أن على الدستور أن يتبنى وبصراحة مفهوم الجندرة، وتحقيق المساواة ما بين الرجل والمرأة وإزاحة كل العوائق التي تحول دون حصول المرأة على كامل حقوقها، بعد أن غيبتها المجتمعات الذكورية والعادات البالية. فالدستور يجب أن يكون ديمقراطياً ويسعى إلى تحقيق كافة أنواع المساواة، والقضاء على كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة في جميع جوانب الحياة.

 

مخرج:

 

لنعود إلى عنواننا في البداية ودور مدونة السلوك لعيش سوري مشترك من خلال ما أرسته مبادئها الإحدى عشر، كمبادئ فوق دستورية تسعى إلى صياغة هكذا دستور يسعى إلى ولادة سوريا الجديدة يحلم بها جميع السوريين بمختلف طوائفهم ومكوناتهم، تتحقق فيها المساواة والعدالة وسيادة دولة القانون.

الكاتب يفضل أن يبقى مجهول ألهوية ©

2022.10.1010.10.2022