هذه الأزمة أو المحنة أو المرحلة الصعبة، أو الكارثة السورية، لم تمر يوماً على هذا الوطن الذي نحب ولا نرضى عنه بديلاً.

 

"من ليس معنا فهو ضدنا" شعار رفعه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، بعد أحداث 11 أيلول المشؤومة عالمياً. الكل اعترض على هذا الشعار وهذا الفرز الذي قامت به الإدارة الأمريكية، وعانى منه الكثيرون في العالم. إذ تم على إثر ذلك احتلال أفغانستان، ما ساهم في تحريك قوى الطالبان المتطرفة، والتي قامت بتدمير أفغانستان وإعادتها الى ما قبل العصور الحجرية. كما تم احتلال العراق، والذي أيضاً صار ضحية قوى التخلف المتطرفة التي ساهمت بتدميره وتفتيته، وغذت الاتجاهات الطائفية المقيتة، ما أدى إلى تشتيت الشعب العراقي في معظم أرجاء العالم.

 

واليوم وللأسف نقع في سورية، فريسة لشعارات شبيهة بما قاله بوش الإبن ترفع من جميع الأطراف، فمن يقف مع السلطة أو النظام فهو شبّيح أو بلطجي أو ... إلخ، ومن يصنف نفسه أنه على أنه معارض فهو مندس أو خائن أو ... إلخ. وأصبحت بلادنا تتحكم بها عدة جيوش تحتل الأرض السورية. كما أن نصف شعبها أصبح مشتتاً بين لاجئ خارج البلد أو نازح داخل البلد هجر من بيوته.

 

ولكن السؤال الأهم في هذه المعادلة: أين يكمن الوطن بين هذا وذاك؟ أو ما هي نسبة هاذين الفريقين اللذين باتا يتحكمان في مستقبل سورية؟ حيث أن السوريين وطنا وأرضاً وشعباً هم الخاسرون الوحيدون بين الجميع.

 

إذ أن الأكثرية لا تؤيد السلطة في كل تصرفاها ووعودها وطريقة تعاملها مع الأحداث. وكذلك هذه الأكثرية لا تقتنع بجزء كبير من المعارضة، وتنظر إليها على أنها تريد تخريب الوطن. الأكثرية الصامتة اليوم والمغلوب على أمرها بين الفريقين تقول بأن جزءاً من مطالب المعارضة هي مطالب شعبية، شرعية، حقيقية، وأمنيتها أن تصل الى دولة المواطنة والعدالة والمساواة والقانون، ولكن ليس بهذه الطريقة التي من شأنها أخذ البلد إلى المجهول والدمار. كما أن جزءاً مهماً من الأكثرية لا يزال يتمنى أو يحلم بأن تقوم السلطة أو النظام بالبدء بعملية إصلاح سريعة بهدف تطوير البلد. أي أن هذا الجزء لا زال مقتنعاً بأن على النظام أو السلطة أن تقوم بخطوة جريئة وسريعة بتنظيف النظام والتخلص من الرموز الفاسدة التي أساءت لسوريا ولشعبها وعبثت بأمن الوطن والمواطن، وأن هذا هو السبيل الوحيد للخروج من نفق مظلم دخلت به البلد.

 

فإصلاح الدولة والمؤسسات أفضل بكثير من الهدم وإعادة البناء، إذ أننا نجهل ما هو هذا البناء الجديد الذي قد تفرضه قوى الأمر الواقع والدول المتدخلة في الشأن السوري. نحن اليوم في سورية بحاجة ماسة إلى رأي ثالث (ليس مع بالمطلق أو ضد بالمطلق)، أي ليس مع السلطة بتعنتها وليس مع المعارضة بتطرفها، فمن غير المسموح لأحد أخذ البلد إلى الخراب والتدمير والمجهول.

 

سورية بحاجة الى ثورة جديدة تُخرجها من فكي الكماشة، بحاجة الى شرفائها ومثقفيها والوطنيين الذين قلبهم على الوطن وليس هدفهم السلطة، فسورية أكبر وأهم من الجميع. قد يقول أحدهم أن هذه المنطقة هي المنطقة الرمادية، أما أنا فأقول لهم بأن هذه تسمياتكم ولست معنياً بألوانكم (أبيض أو أسود أو رمادي)، فليست السلطة بيضاء بكل شيء، كما أن المعارضة ليست سوداء بكل شيء. فإذا كانت الرمادية تعني تقديم مصلحة الوطن على أي شيء، فلتكن رمادية.

أسامة أبوديكار ©

2022.09.0808.09.2022