نستطيع أن نجزم أن السوريين قد ملوا من قراءات التنظيرات والتحليلات التي تتناول القضية السورية بأسبابها ومآلاتها. ونستطيع أيضاً أن نجزم أن الحق معهم، فكل تلك التنظيرات والتحليلات لم تساهم ولن تساهم في تحقيق اختراق ما في جدار الاستعصاء الذي يعيشون نتائجه يوماً بيوم. إلا أن هناك سؤال يبدو مشروعاً رغم خطورة طرحه: ألا يتحمل السوري جزءاً من المسؤولية عما يحدث له؟ أليس شريكاً في حالة الاستنقاع التي هو ضحيتها؟

 

وحتى لا نتسرع في الاتهام بأننا بطرح هذا السؤال إنما نبرىء أصحاب القرار في مناطق الأمر الواقع دعونا نوضح السؤال: هل حاول السوريون أن يتزحزحوا ولو سنتيمترات قليلة عن المواقف التي تمترسوا خلفها منذ بدء المقتلة؟ هل كانوا، أو يقبلون بأن يكونوا، الرافعة المجتمعية التي تقدم المثال على القضايا الوطنية العابرة للاصطفافات، والتي تتقبل العدول عن أي من المواقف في سبيل معالجة الخراب العميم الذي بتنا فيه؟ واذا ما قررنا ان نطرح السؤال بطريقة اكثر قسوة: الا يعمل السوريون كماكينة جاهزة دائماً للتصويب والاتهام والنيل من أي مبادرة تحاول ولو بصورة خجولة أن تخاطب مشتركات الاهتمام والألم والمظلوميات لدينا جميعاً!

 

نعم يا شركاء الوطن، نحن جميعاً شركاء في ما حدث ويحدث. نحن أسرى مرجعياتنا ومواقفنا الجامدة بل المتحجرة، والتي تنتفي صفة المبدئية عنها عندما تصبح مسؤولة عن دمار وخراب لا يعرف مناطق سيطرة ولا حدود. ولذلك عدة امثلة يمكن أن نوردها بالأرقام علها تشكل الصفعة التي توقظنا. فالمركز السوري لبحوث السياسات يؤكد أن التداعيات الكارثية للحرب السورية قد طالت كل مناحي الحياة، حيث ارتفع معدل الفقر الى 96% من السكان. الا ان ما حل بأجيال نشأت في ظل الحرب يبقى الخسارة التي لا يمكن تعويضها. اذ تعرض الاطفال واليافعون، بحسب نفس المركز لعدة انتهاكات لحقوقهم على امتداد فترة النزاع، والتي تشمل: عمل الأطفال، انعدام الامن الغذائي الى حد سوء التغذية، النزوح القسري، بما في ذلك انفصال احد افراد العائلة او فقدان افراد منها، الفقر، ظروف المعيشة السيئة، عدم القدرة على الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية والتدهور الاجتماعي.

 

ويستمر تقرير المركز في تقديم احصائيات عن التداعيات الكارثية للحرب، ويقدم أمثلة إضافية كمعاناة الفتيات الصغار في السن في الغوطة الشرقية في تعلم الكتابة والقراءة، في حين خسرت الفتيات الاكبر سناً في الرقة عدة سنوات من الدراسة، او كن قد خرجن من المدارس بالكامل نتيجة المعارك والنزوح.

 

ما أورته كان جزءاً بسيطاً جداً من تقرير المركز المذكور، أورته لأنه يفضح سكوتنا، نحن الذين نتحدث دائما عن وجهات نظرنا وموقفنا من سوريا الغد. كما أنه يصفعنا بحقيقة ان من يرفض تقديم تنازلات لصالح الأجيال التي هي، وهي فقط، ستبني سوريا الغد، لا يحق له أن ينظر وهو مسترخٍ، حيث هو، عن سوريا الغد.

الكاتب يفضل أن يبقى مجهول ألهوية ©

2022.10.1919.10.2022