حقوق النشر © 2020 جميع الحقوق محفوظة طور من طرف
سوريا ١١ هي مدونة تستمد اسمها من البنود الاحد عشر في "مدونة سلوك لعيش سوري مشترك" التي تطرح أفكارًا من السوريين للسوريين، وتستقبل ما يراه السوريون مناسباً لإعادة إحياء دولتهم، بكل أبنائها و أديانها وقومياتها ولغاتها في وطن واحد، تناقش معهم ويتناقشون فيما بينهم على شكل نظام الحكم الذي يريدونه وفق إراداتهم واتفاقهم .
هذا الموقع هو محاولة لفتح قناة تواصل بين أبناء الشعب السوري والسوريين القائمين على "مدونة سلوك لعيش سوري مشترك" و "مجلس المدونة السورية"، لتبادل الأفكار ومناقشتها، مستلهمين من التاريخ البشري القديم والحديث، ومن تجارب الشعوب التي مرّت بأزمات وانتصرت على آلامها وأعادت إحياء أوطانها بتضامن مواطنيها وعزيمتهم، عبر الحفاظ على السلم الأهلي و التماسك المجتمعي .
نأمل ونعمل على أن تكون المدونة بداية الطريق نحو سورية الوطن الجامع.

2021.02.01
عمل مجلس المدونة بين الواقعية والرؤية المستقبلية
لعله من المهم بدايةً، التذكير بأنه بعد حوالي السنة من الإجراءات الاحترازية المرتبطة بفيروس الكورونا، وما ارتبط بها من تعذّر اللقاء بأعضاء المجلس، بشكل شخصي، وانتقال مجال العمل إلى العالم الافتراضي، فإن عمل المجلس خلال هذه الفترة اتخذ شكل النقاشات الفردية والجماعية حول مسائل معينة، وإصدار بيانات تبين رأي المجلس حول تلك القضايا المرتبطة بوضع السوريين في الداخل والخارج السوري. عليه فإن طريقة العمل هذه ببساطة قد مثلت التعبير الواقعي عن إمكانية عمل المجلس وتواصل أعضائه مع بعضهم على الرغم من الإشكاليات المرتبطة بعدم القدرة على اللقاء بشكل شخصي، وما يضاف إلى ذلك من صعوبة التواصل مع الداخل السوري عبر الشبكة العنكبوتية بشكل عام.
لقد فرضت طبيعة العمل بهذا الشكل الضيق، ضرورة البحث عن إطار عمل عام ومجمل، تمثل بداية بتثبيت النقاط المشتركة بين أعضاء المجلس عند التصدي لأية مسألة. وبما أن هذه المشتركات تنطلق من روح مدونة السلوك فقد كان التفكير دائماً يدور في حلقتها وينطلق من مبادئها. ومن هذا المنطلق، فقد أثبتت مبادئ المدونة صفتها الجمعية التوافقية، إذ أنها تحولت إلى قواعد يُحاجَجُ بها من قبل أعضاء المجلس في مناقشاتهم مع بعضهم أو مع الجمهور. إلا أن هذا لا يعني بأن أعضاء المجلس لديهم نظرة موحدة في طريقة وضع مبادئ المدونة موضع التطبيق العملي، مع أن جميعهم متفق على أن التطبيق العملي لمبادئ المدونة هو المخرج الوحيد من الوضع المأساوي الحالي للسوريين. من هذا المنطلق بدأ أعضاء المجلس بالتفكير والنقاش في ديناميكيات التطبيق العملي لمبادئ المدونة بما يعكسه هذا النقاش من تداخل بين واقعية العمل الحالي وإمكانياته وضرورة التفكير في الآليات المستقبلية. فالمجلس، وعلى الرغم من أنه ليس هيئة تنفيذية تملك سلطة الأمر كما هو متفق عليه بين أعضائه، يستطيع من خلال اقتراح الآليات التنفيذية للمدونة أن يثبت جديته في علاقته مع السوريين من متابعيه، ما يشكل أيضاً دعوة لهؤلاء بالمشاركة في التفكير في بنود المدونة وتنفيذها بشكل عام.
التفكير بالمسألة التنفيذية يقتضي بداية وببساطة، استغلال الآليات الموجودة فعليا من أجل بلورة موضوع التنفيذ وإعطائه الأولوية التي يستحقها. من هذا المنطلق تبرز أهمية اللجنة الدستورية وعملها، مع أن أعضاء مجلس المدونة ليسوا راضين عن عمل اللجنة شكلاً وموضوعاً. إلا أن أهمية عمل اللجنة بالنسبة لمدونة السلوك ومجلسها، يتمثل بالدرجة الأولى في أن اللجنة الدستورية تسعى لوضع مبادئ توافقية بين أعضائها، يقبل بها المجتمع السوري كحلول للأزمة السورية، وكأطر موضوعية لشكل الدولة السورية القادمة. هذا ما يتطابق بشكل كامل مع ما سعت وتسعى إليه مدونة السلوك بمبادئها الأحدى عشر. عليه، فقد قام منظموا جلسات المجلس وبعض من أعضائه، ممن هم أعضاء في اللجنة الدستورية أو ممن لديهم علاقات مع أعضائها، بإيصال أفكار المدونة إلى فريق الأمم المتحدة المشرف على عمل اللجنة، وإلى أعضاء اللجنة في الداخل والخارج السوري، من ممثلي النظام والمعارضة والمجتمع المدني على حد سواء.
مع أن أعضاء المجلس لا ينتظرون من اللجنة الدستورية وضع مبادئ المدونة بحرفيتها في وثيقة الدستور السوري القادم، إلا أنهم يعملون على الأقل أن تتطبع المبادئ والحقوق الأساسية في الدستور القادم بروح المدونة وأفكارها، ما يعني ببساطة بأنهم يسعون إلى تفعيل مبادئ المدونة من خلال تحويلها بكليتها أو جزئيتها إلى قواعد دستورية. لكن، ما يجب التنويه إليه هنا، أن المجلس يسعى وبشكل آخر إلى تفعيل مبادئ المدونة وذلك من خلال متابعة العمل على إصدار بيانات حول مسائل تمس المجتمع السوري برمته والسوريين بعمومهم في داخل وخارج سورية. فالبيانات التي قام المجلس بإصدارها، مثل بيانه بخصوص مبدأ المحاسبة بتاريخ 15/01/2020 أو بيانه بخصوص الوضع في شرق الفرات والشمال السوري بتاريخ 23/12/2019، كان من أهدافها تقوية الحس العام لمبدأ المدونة الذي يتمحور حوله البيان بشكل كلي أو جزئي، بالإضافة طبعاً إلى إظهار رأي المجلس في المسألة التي يعالجها البيان ولفت نظر الرأي العام، السوري والإقليمي والعالمي، إليها.
علاوة على ذلك فقد قام أعضاء المجلس بناء علاقة الثقة القائمة بينهم بالتدخل لحل بعض الأوضاع المحلية المستعصية من خلال استثمار علاقاتهم مع كل الأطراف على الأرض بهدف دمج جميع الآراء في حلول توافقية تتناول التهدئة في بعض المناطق والوساطة في بعض الخلافات. تحرك أعضاء المجلس هذا يمثل انعكاساً واقعياً لروح المدونة ومبادئها بما تهدف إليه من إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري. من هنا يتبين التنوع في محاولات أعضاء المجلس وضع مبادئ المدونة وأفكارها موضع التطبيق العملي والتي تمتد من العمل على مصالحات مناطقية إلى إصدار بيانات تتناول قضايا حساسة في حياة السوريين ثم محاولة التأثير على اللجنة الدستورية لتضمين مبادئ المدونة في وثيقة الدستور القادمة.
من جانب آخر فإن واقعية عمل مجلس المدونة في مجال البحث عن آليات التنفيذ، كما تم التعويل عليها أعلاه، يقابلها متابعة حثيثة للعمل الحواري بين أعضاء المجلس والعمل على تعريف السوريين أكثر بالمدونة من خلال عقد ورشات عمل مصغرة على المستوى المحلي. إضافة إلى ذلك تستمر عملية الحوار مع المجتمع الدولي التي يديرها منظموا جلسات المجلس من أجل تعريفه أكثر بالمدونة وعمل مجلسها. على أن النشاط المهم الذي عمل عليه الأعضاء ولا زالوا يعملون عليه يتمثل بالعمل على إصدار كتيب لشرح مبادئ المدونة وتوضيحها للمتابعين. بالنتيجة، تهدف كل هذه الأعمال بشكل أو بآخر إلى توسيع دائرة الأشخاص الداعمين للمدونة والمقتنعين بمبادئها، أي إلى خلق كتلة من السوريين في الداخل والخارج تقف خلف مدونة السلوك لعيش سوري مشترك.
إذن، ما يمكن قوله في هذه المرحلة من عمل المجلس، أن: كل أعمال المجلس هي أعمال تحضيرية، بانتظار إمكانية مستقبلية حقيقية لتفعيل مبادئ المدونة على الأرض كأداة لإيجاد حل متوازن للوضع السوري. فرؤية المجلس المستقبلية واضحة، وتنطلق من إيمان أعضائه المطلق بمبادئ المدونة وضرورة تطبيقها من خلال سيناريوهات معينة، مرتبطة بظروف التوافقات المستقبلية على حل الأزمة السورية، بغض النظر عن الخوض في تفاصيل هذه التوافقات، والتي ستلعب فيها المعادلات الدولية الدور الأهم. فأعضاء مجلس المدونة سيستمروا في العمل بصمت أو في العلن، إذ أنهم مقتنعون بأن لقاءهم على اختلاف تفكيرهم ومواقفهم من الأزمة السورية هو إشارة بأن مستقبل سوريا لا يمكن أن يحل إلا على طاولة حوار يجلس إليها مختلفو، أو متناقضو الرأي، بهدف إيجاد حل وسط مقبول من الجميع. كما أن لقاءهم هو رسالة لكل من هو مستمر في قناعته بأحادية الحل، من أي طرف كان، بأن زمن الحلول الفردية قد ولى وأن الوقت قد حان لحلول جمعية تراعي رغبات كل الأطراف ولكنها تضع مصلحة سوريا قبل كل شيء.

2020.08.12
نلسون مانديلا السوري..
ليس خافياً على أحد بأن الأحداث الكارثية التي مرت على سوريا خلال سنواتٍ عدة مضت، قد دمرت الحجر والبشر، وتشرد نصف الشعب السوري، بين نازح داخل الأراضي السوري، ولاجئ خارج الحدود متوزعين على معظم أصقاع الأرض.
لازال المشهد السوري مفتوحاً على كل الاحتمالات، فعلى الأرض السورية توجد عدة جيوش أجنبية، ولا يوجد صاحب قرار سوري فيما يخص الشأن السوري.
الارتهان للخارج
كل اللقاءات التي جرت وتجري لبحث الملف السوري، يغيب عنها السوريون، وتمت الهيمنة على رأي السوريين فيما يخص قضيتهم وشأنهم ومعاناتهم، بل أن السوريين أصبحوا يتلقفون اخبار بلدهم من وسائل الاعلام الأجنبية، لكي يعرفوا ما الذي قرره أصحاب القرار الدوليون والاقليميون لمصيرهم.
انقسم السوريون فيما بينهم خلال سنوات الكارثة، على حسب مكان تواجدهم أو منفعتهم الخاصة، فمنهم من يؤيد تركيا ويرى فيها الشقيق المُنقذ، ومنهم من يؤيد ايران كداعم لمحور الممانعة حسب رؤيتهم، ومنهم ذهب ولاؤه لدول الخليج العربي، وبعضهم يؤيد التواجد الروسي، والبعض الآخر يراهن على الدور الأمريكي، ونسي أو تناسى الجميع بأن الدول ليست جمعيات خيرية تُقدم المساعدات بشكل مجاني، فلكل دولة مصالحها الخاصة التي تعتبرها في أولويات أي حل سياسي في سوريا.
أما مَن في الداخل، فأصبح الجميع في حيرة من أمرهم، فلم يستطيعوا السفر او الهجرة، وأصبحوا يعانون من وضع اقتصادي متدهور، وقد يكون حصولهم على رغيف الخبز من اهم مطالبهم، فتحولوا الى عاجزين سياسيا عن ابداء رأيهم بين الخوف من سلطة تلاحقهم حتى إذا تنفسوا على مرأى ومسمع العالم، وبين جوعٍ يدق أبوابهم إذا لم تُدَق أعناقهم.
التخوين والتكفير
بين العمالة والخيانة أصبح واقع السوريين مأساوياً، فمن يخفي رأيه وموقفه من النظام يُعتبر موالياً له، وتنطبق عليه تهمة العَمالة له، ومن يقف ضد النظام فهو خائن وعميل أيضاً لكل دول العالم.
ما الذي يمكن فِعله، أو بمعنى آخر ما هي الامكانيات التي نملكها؟
يقول أحدهم لقد هُزِمنا، وآخر يُحمّل "الثورة" المسؤولية ويسميها "فورة"، وآخر يقول لقد تدمّر البلد وتشرّد نصف شعبه، وآخر يقول لقد نجحت "المؤامرة" بتدمير البلد ويرد عليه آخر بأن المؤامرة قد فشلت ودليله على ذلك الانتصارات ضد الارهابيين.. والكثير من الكلمات المحبطة المتداولة..
قد تكون تلك العبارات صحيحة من وجهة نظر قائليها، ولست هنا بصدد تبني أيّ منها، ولكن، بعد كل ذلك ألا تستحق سوريا (الوطن) البحث عن حلول، أليس الأجدى أن نترك الندب والنحيب ونقول فلنستفيد من الذي حدث لإعادة بناء وطن يتسع للجميع، تكون المواطَنة أساس فيه. فلننظر الى تجارب الدول التي تدمرت سابقاً، ثم أحياها شعبها وأصبحت في مقدمة دول العالم.
في سوريا، لم ينتصر سوري على سوري آخر، ولم يُهزَم سوريٌ أمام سوريٍ. لكن السوريين كشعبٍ، أو أرضٍ، هم الخاسرون من كل ما جرى ويجري.
فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما سورية وطنٌ لجميع السوريين. أو نتركها عرضةً بيد الأغراب الذين سيرحلون عاجلاً أم آجلاً. فلنبحث عن حلول. وهذا الكلام برسم كل السوريين
ماذا عن مدونة السلوك؟!!
مما سبق من الكلام، كان السوريون يرتهنون في رأيهم وقرارتهم للخارج غير السوري، والحل الوحيد بشكل حقيقي هو أن يتوحّد السوريون على ماذا يريدون، لكي يكون بإمكانهم فرض رأيهم ومصيرهم على اصحاب القرار الدوليين.
فعندما اجتمع العديد من الشخصيات السورية، ومن كافة شرائح المجتمع السوري، وبكل اطيافه، وبعيداً عن أي خلفية سياسية لأي شخصية حضرت، كان الهاجس الأكبر للمجتمعين في كيفية البحث عن الخروج من أزمة الخندقة السياسية التي وصل اليها السوريون، فكان رأي المجتمعين هو البدء بالمجتمع للنهوض من الكارثة التي حصلت، فالاستمرار في الاتهامات لن تُوصل السوريين الى نهاية النفق المُظلم، فكانت اللقاءات من برلين العاصمة الألمانية، للاستفادة من تجربة الألمان الذين نهضوا بعد الحرب العالمية الثانية، واصبحت اليوم في مصاف الدول الكبرى في العالم، فلماذا لا يتم الاستفادة من تلك التجربة؟!!
يقول نيلسون مانديلا، رئيس جنوب إفريقيا السابق في مذكّراته: "بعد أن أصبحت رئيساً، طلبت من بعض أفراد حمايتي التّجوال معي داخل المدينة مترجّلين. دخلنا أحد المطاعم، فجلسنا في أماكننا وطلب كلّ منّا ما يريده من طعام. في الوقت الذّي كنّا ننتظر العامل أن يحضر لنا الطّعام، وقع بصري على شخص جالس قبالتي ينتظر بدوره ما طلبه.
قلت لأحد أفراد حمايتي: "اذهب إلى ذلك الرّجل واطلب منه أن يأتي ويشاركنا الأكل على طاولتنا." جاء الرّجل فأجلسته بجانبي وبدأ كلّ منّا في تناول غذاءه، كان العرق يتصبّب من جبينه ويده ترتجف لا تقوى على إيصال الطّعام إلى فمه...
بعد أن فرغ الجميع من الأكل وذهب الرجل في حال سبيله، قال لي حارسي الشخصي: "الرّجل الذي كان بيننا تظهر عليه علامات المرض، فقد كانت يداه ترتجفان ولم يستطع الأكل إلاّ النّزر القليل"
فأجبته: "لا... أبدا، ليس كما ظننت. هذا الرّجل كان حارساً للسّجن الانفرادي الذّي كنت أقبع فيه. وفي أغلب الأحيان وبعد التّعذيب الذّي يمارس عليّ، كنت أصرخ وأطلب قليلا من الماء. فيأتي هذا الرجل ويقوم بالتبول على رأسي في كل مرة، لذلك كان يرتعد خوفا من أن أعامله بنفس ما كان يفعل معي فأقوم بتعذيبه أو بسجنه. لكن ليست هذه أخلاقي، فعقلية الثأر لا تبني دولة في حين عقلية التّسامح تبني أمم."
فهل نستطيع اليوم التفكير والتصرف كنلسون مانديلا، وننقذ ما تبقى من البلد، أم نبقى في حالة الندب ونكرر المآسي التي حصلت مع الفلسطينيين أو العراقيين؟!!
لم يفت الأوان بعد..